الجمعة 19، إبريل 2024
10º
منذ 6 سنوات

ماذا يحمل بنس نائب الرئيس الأميركى في جعبته إلى المنطقة؟

ماذا يحمل بنس نائب الرئيس الأميركى في جعبته إلى المنطقة؟
حجم الخط

شبكة وتر-  بقلم: ماجدة شاهين

مع إرجاء زيارة نائب الرئيس الأميركي إلى المنطقة أكثر من مرة، كان الاعتقاد أن هناك تراجعا بالنسبة لحضوره إزاء خيبة أمل المنطقة وقاداتها وشعوبها من جراء سياسة الرئيس ترامب وإدارته بعد الآمال العالية التي علقت على نجاحه ووعوده بالتسوية كأكبر صانع للصفقات في عصرنا، وتوقعات الكثيرين بأن الوضع في المنطقة سيكون مغايرا عمّا كان سائدا إبان إدارة أوباما. وتطايرت هذه الآمال والتوقعات مع أولى تغريدات الرئيس الأميركي بنقل سفارة بلاده إلى القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل.

بيد أن بنس الذي سيأتي اليوم، فما الذي يريده من المنطقة وما الذي ينتظره في ظل الظروف المغايرة والشكوك التي تحوم حول السياسة الأميركية في المنطقة؟ وتكثر التكهنات وتتضارب بالنسبة لتوقيت الزيارة وأهدافها الصريحة والخفية. وسوف أجتهد من جانبي لتقييم احتمالات الغرض من هذه الزيارة واحتمالات نجاحها، وإن كنت أجنح إلى توقع فشلها أكثر من نجاحها في ظل الظروف الحالية. ولعلني أبدأ بتوضيح دور نائب الرئيس عامة في الإدارة الأميركية، والذي يذهب الكثيرون إلى وصفه بأنه لا طعم له ولا لون، ودوره ينحصر في حالة إقالة أو تنحي أو موت الرئيس وإحلاله عندئذ محله. فيما عدا ذلك، فإنه ليس مصرحا له إبداء الرأي علنا أو المشاركة حتى بشكل مستتر في اتخاذ القرار. فهو لا يرى ولا يسمع ولا يتفوه بكلمة أو رأي، مثله في ذلك مثل التمثال المعروف للقرود الثلاثة. فلماذا يحضر إذن إلى المنطقة؟

***

وهنا يمكنني أن أتكهن بما يلي: قد يكون آتيا لتلقي التهاني لنجاح الإدارة الأميركية في تغلبها على "داعش". وقد نتساءل عن مدى واقعية هذا النجاح في ظل انتقال المجموعات المتطرفة بكل أطقمها وعتادها إلى ليبيا وأفغانستان. هل يعد ذلك نجاحا حقا والتوقعات كلها تشير إلى أن داعش تقوم بإعادة تنظيم نفسها لتوجيه ضرباتها من جديد أينما كانت؟

كما يقال أيضا أن بنس على أساس خلفيته اليمينية المتطرفة، آتٍ إلى مصر لمؤازرة الأقلية القبطية ودعمها في مطالبها، وهو ما أستبعده تماما، لأن بنس لن يرغب في إحراج نفسه أو سماع ما لا يطيب له من عدم إقحام نفسه فيما لا يعنيه، فإن أي تصريح لبنس في هذا الشأن لن تقبله مصر قيادة وشعبا.

هل هو آت إذن للتعرف على سياسة مصر الخارجية، والتي لا شك إن دلت على شيء فهي تدل على الاستقلالية التامة والتوازن المتعقل الذي تتبعه مصر في الآونة الأخيرة؟ وعلى السيد نائب الرئيس الأميركي بل وعلى الإدارة الأميركية بأكملها أن تدرك تماما أن مصر سيدة قرارها وأنها لن تقبل التذبذب في السياسات الأميركية على هوى كل رئيس، بما يؤثر على وضعها ومصالحها. فإن مصر حريصة على موازنة علاقاتها الخارجية تحقيقا لمصالحها المتشعبة مع كل دولة وكل منطقة على حدة ولا تستهدف ترجيح دولة أو منطقة على أخرى. فإن سياساتها مع روسيا على قدم المساواة مع اهتمامها بأوروبا كأكبر شريك اقتصادي لها وبالصين كعملاق اقتصادي جديد ولرغبتها في الدخول معها في مشاركات ثلاثية مع الدول الأفريقية الشقيقة وبناء البنية التحتية التي ستساعدها على تكثيف تجارتها مع الدول الأفريقية، كما أن علاقاتها مع هذه الدول لن تكون على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكن مصر لم تعد مؤمنة بأن 99% من الكروت في يدي الولايات المتحدة وحدها.

***

ما الذي يريده بنس في هذا التوقيت وفي الوقت الذي يضرب فيه رؤساء المنطقة وشعوبها كفا بكف إزاء تصريحات وتغريدات ترامب المتلاحقة وغير المفهومة؟ ما هي إذن الأسباب التي تدعو بنس إلى زيارة المنطقة في وقت يعاني فيه الرئيس الأميركي الأمرّين على الصعيد الداخلي؟ وفي هذا السياق أود ترجيح موضوعين لا ثالث لهما. قد يكون الأول هو الرغبة في توضيح الموقف الأميركي من جراء نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ولا شك أن هذه مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وتشترط أساسا أن يجد سيادته أذنا صاغية، وهو من المستبعد. فإن أحدا قد لا يود الاستماع إليه، وما قد يزعمه من أن تصريحات الرئيس الأميركي لن تؤثر على أن تصبح القدس الشرقية العاصمة الأبدية للفلسطينيين أيضا. ففي إطار التسوية الشاملة وفي ظل حل الدولتين، يمكن أن يتقاسم الاثنان القدس كعاصمة لهما. وإن كان قد يبدو هذا القول منطقيا في ظاهره، فإن الأخذ به وتصديقه لن يكون تحصيل حاصل ولن يتم قبوله إلاّ إذا كان هناك شيء ملموس أمام قياداتنا تجزم بمثل هذا القول.

أمّا الموضوع الثاني، فقد يكون إعادة مبادرة الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية والأيام الأولى من حكمه بالنسبة لعقد قمة لقادة المنطقة في واشنطن إلى الأذهان. وكان الحديث قد كثر عن مؤتمر الشرق الأوسط في حزيران 2017 أثناء حملة ترامب الانتخابية، وكانت أهم نتيجتين لزيارة الرئيس السيسي في أوائل نيسان من العام الماضي لواشنطن تهنئة للرئيس الأميركي بنجاحه هو الاتفاق على أن مكافحة الإرهاب تمثل أولوية قصوى بالإضافة إلى العزم على إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وفيما يتعلق بهذا الموضوع، كان هناك اتفاق ضمني باركته جامعة الدول العربية على عقد قمة تضم خمس دول في حزيران 2017 في واشنطن، بما فيها مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول القضية الفلسطينية. وهو ما لم يتحقق حينئذ. كما سبق أن أوفدت قمة الجامعة العربية التي عقدت في عمان في نيسان 2017 ، العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني لإحاطة الرئيس الأميركي علما بالموقف العربي بشأن القضية الفلسطينية. وأكد الملك أن أساس أي حل يبقى إقامة دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في سلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، مؤكدا من جديد تمسك الموقف العربي بمبدأ كل الأراضي مقابل سلام دائم ومنصف وحتمية حل الدولتين، وهو ما أكده الرئيس السيسي أيضا أثناء زيارته لواشنطن في وقت كانت فيه إدارة ترامب الجديدة لا تزال في عملية بلورة سياساتها في الشرق الأوسط.

فهل هذه محاولة ثانية لإحياء هذا المؤتمر؟ وكان الأمل كبيرا إذا ما تحقق هذان الهدفان على أنهما سيشكلان بلا شك بداية جديدة للعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها.

***

هل نائب الرئيس مكلف بأن يتحسس موقف المنطقة من الدعوة إلى عقد القمة الإقليمية؟ وهل نحن بالفعل على استعداد لمثل هذا التحرك اليوم؟ ربما كنا كذلك في البداية عندما كان الرئيس الأميركي الجديد ما زال يمثل لغزا للمنطقة ولم تكن نواياه وتأييده المطلق لإسرائيل وصديقه نتنياهو واضحة إلى هذا الحد. فما الذي يحمله بنس معه لإقناع المنطقة وقاداتها بجدوى عقد مثل هذه القمة وما ستأتي به؟ من المؤكد داخليا أن الرئيس الأميركي في أمس الحاجة اليوم إلى تحويل الانتباه عن الانتقادات اللاذعة الموجهة إليه بشكل يومي، كما أنه بحاجة ملحة إلى تحقيق أي نجاح في سياسته الخارجية بعد الفشل الذريع الذي تبوء به سياسته تجاه إيران وكوريا الشمالية.

وإذا كان ترامب عازما بالفعل على التوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، سيتعين عليه أن يتعامل مباشرة مع القضايا الأربع المثيرة للجدل والتي تتربع على قمتها القدس إلى جانب قضايا الأمن واللاجئين والأراضي المحتلة. غير أن تصريح الرئيس محمود عباس برفضه الدور الأميركي كوسيط يجب ألاّ يغفل وأن نوليه كل الاحترام الواجب. وتعتبر مصر مؤيدا قويا للفلسطينيين، ولها صلات قوية مع القيادة الفلسطينية ونجاحها الأخير في التوصل إلى اتفاق بين فلسطين وحركة "حماس" له وزنه في المنطقة وفي شكل التسوية النهائية.

فمما لا شك فيه أن الأحداث المتتالية ألقت بثقلها على عقد القمة الإقليمية في واشنطن وقللت من فرص نجاحها، سواء بالنسبة لتصريحات ترامب المتضاربة حول القضية الفلسطينية أو بالنسبة لضعف ترامب على الصعيد الداخلي حاليا والانتقادات اللاذعة الموجهة إليه كشخص عنصري وغير متوازن. فهل نحن في حاجة إلى مساعدة الرئيس الأميركي على مواجهة الضغوط عليه دون الاطمئنان مسبقا إلى النتائج المحتملة لمثل هذه القمة؟ بالقطع لا.