الخميس 28، مارس 2024
10º
منذ 6 سنوات

صمت المرأة عورة

صمت المرأة عورة
حجم الخط

كل عام في يوم المرأة العالمي وعلى هامشه تُثار قضية المرأة: مكانتها ودورها وحقوقها ومشكلاتها في المجتمعات العربية والإسلامية، ولقد ظُلمت المرأة وقضيتها في تللك المجتمعات بين تيارين متطرفين: أحدهما مستورد من الثقافة الغربية يذهب باتجاه تحرير المرأة وفق النموذج الغربي ذو النزعة العلمانية المتطرفة باعتباره المثال الأفضل الذي ينبغي تعميمه على نساء الأرض. والثاني مستورد من عصر الانحطاط وأُعيد إنتاجه في إحدى الصحراوات العربية القاحلة بفعل تلاقح الاستبداد السياسي مع التطرف الديني المضاف أليهما رائحة البترودولار العفنة، يذهب باتجاه تقييد المرأة وفق النموذج الصحراوي بعد ارتدائه الثوب الإسلامي. وبين هذين التيارين المتطرفين تقف نماذج أخرى أبرزها النموذج الإسلامي الوسطي الحضاري الذي يعمل على تحرير المرأة بالإسلام وليس من الإسلام، وعتق المرأة من الظلم وليس من الفطرة، ويرى في صمت المرأة عن حقوقها عورة أما صوتها المدافع عن حقوقها فثورة.

التيار الغربي يذهب باتجاه تحرير المرأة من الإسلام والفطرة، ويرى في نموذج المرأة الغربية مثالاً للرقي والتقدم يجب فرضه على نساء العالم الثالث انطلاقاً من رؤية استعمارية استعلائية تُقدّس حضارة وثقافة الرجل الأبيض وتحتقر ما عداها من حضارات وثقافات، وترتكز على مقولات خاطئة فيما يخص قضية المرأة منها: حق المرأة في تقاسم المشاركة بالنشاط الإنساني بين الرجل والمرأة في إطار الندية والصراع بين الجنسين وليس في إطار التكامل بينهما، ومنها حق المرأة في المساواة بالرجل بدون اعتبار للفروق الطبيعية الفطرية بينهما وما يتبعها من ضوابط شرعية، ومنها حق المرأة في الحرية التي تصل إلى التحرر من ضوابط الدين ومعايير الأخلاق وقيود الفطرة حتى تفقد المرأة أنوثتها الحقيقية وشخصيتها المتميزة وكرامتها الإنسانية لتصل إلى تدمير النموذج الاسلامي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع. 

التيار الصحراوي يذهب باتجاه تقييد المرأة بالإسلام وتكبيلها بالشرع، ويرى في نموذج المرأة التابعة العورة مثالاً للمرأة المسلمة انطلاقاً من ثقافة التحريم وهوس التكفير التي توّسعت في أبواب سد الذرائع والأخذ بالأحوط والخوف من الفتنة على حساب النص الديني الصحيح قرآناً وسنة، فأنتجت ثقافة تؤصل لدونية المرأة مقارنةً بالرجل، فلم ترَ فيها إلاّ متاعاً للرجل ومربيةً لأبنائهِ وطاهيةً لطعامهِ وراعيةً لبيتهِ، وأبدعت ثقافة ترى في المرأة عورة كلها حتى اسمها، فيجب إخفاء وجهها بالنقاب حتى في الحرم المكي واستبعدت الحجاب كزي شرعي لأنه يكشف وجهها، ويجب إخفاء صوتها بالصمت باعتباره عورة لا يجوز إظهاره إلا لمصلحة راجحة أو ضرورة واجبة، وحتى اسمها يجب إخفاؤه ومداراته بالرموز أو الكنى... وكأننا أمام نوعٍ جديد من وأد البنات يتم فيه طمس شخصيتها وتذويب ذاتها وحرمانها من اسمها والانتقاص من كرامتها تحت ستار الدين وبذلك يتم وأدها بدفنها حية فوق الأرض بدل أن يتم وأدها بدفنها ميتة تحت الأرض.

أما عن رؤية النموذج الإسلامي الوسطي الحضاري لتحرير المرأة بعيداً عن التطرفين: الغربي والصحراوي، فقد كتب الدكتور المفكر محمد عمارة في كتابه (تحرير المرأة بين الإسلام والغرب) «لقد حرر الإسلام المرأة وحدد القرآن النموذج الإسلامي لتحريرها فسوّى بينها وبين الرجل في الخلق والإنسانية والكرامة ومناط التكليف وملكاته والجزاء والحساب مع التميز في الأنوثة والذكورة حفظاً لتميز وتكامل الفطرة التي فطر الله عليها النساء والرجال ليكون التكامل هو الدعوة الدائمة لتحقيق سعادة النوع الإنساني». وفي مقال بعنوان (المرأة المسلمة: تيار جديد.. مهام جديدة) للدكتور الشهيد فتحي الشقاقي حول نفس المضمون دعا إلى تحرير المرأة من قيم الجاهلية التي تعبّر عن ثقافة عصر الانحطاط العربي الإسلامي ومفاهيم الغرب التي تعبّر عن الثقافة الغربية المستوردة، وشرح رؤيته للمساواة بين الرجل والمرأة في إطار ضوابط الشرع والفطرة التي تحفظ للمرأة أنوثتها وكرامتها، وأكد على دور المرأة في الثورة والعمل الوطني والفعالية الاجتماعية والمشاركة السياسية، واعتبر أن حجاب المرأة إضافة الى أنه التزام ديني فهو رمز حضاري وهوية ثقافية ومقاومة للاستلاب .

وانسجاماً مع رؤية النموذج الإسلامي الوسطي الحضاري من المفيد تغيير فلسفة المطالبة بحقوق المرأة بالانتقال من مفهوم تسوّل المرأة لحقوقها من مجتمعها إلى مفهوم تمكين المرأة لتنزع حقوقها بنفسها بكدحها ونضالها، وأول مراحل تمكين المرأة هو أن تُغّير المرأة ما بنفسها لكي تتغير مكانتها في المجتمع، وتغيير ما بالنفس يبدأ باكتساب مفهوم إيجابي لذاتها وتصوّر حسن لنفسها وإيمان راسخ بقدراتها وثقة كبيرة بإمكانياتها وتصميم صلب على تحقيق أهدافها...هذا هو جوهر التمكين الذي يبدأ من الذات وينطلق من النفس فيدفع المرأة للنهوض وكسر حاجز الخوف والخروج من دائرة الصمت حتى تترسخ حقيقة أن صوت المرأة المطالبة بحقوقها الطبيعية والشرعية والقانونية وكذلك حقوق شعبها ووطنها ثورة وإذا لم تفعل ذلك فحينئذٍ يكون صمت المرأة عورة.