الأربعاء 24، إبريل 2024
10º
منذ 4 سنوات

... وترجل الطيب الأمين

... وترجل الطيب الأمين
حجم الخط

شبكة وتر-لم يكن فجر فلسطين أمس، 18/3/220، فجرا عاديا ، دموع سمائه تنهمر بغزارة وسط صمت مذهل وحزن كبير ، شوارع رام الله وأركان المقاطعه فيها ترتعش من وقع الفاجعه، فقد اختفى هدير صوتها الثوري وسكت لسان وطنيتها المثقف، غابت عنها وقفة الانضباط ومعزوفة التشريفات المرتلة لانغام النشيد الوطني، حتى ذلك البساط الاحمر الممتد نحو ضريح الفدائي الاسمر ينتفض من وطأة الصدمة.

ابو العبد، صوت الثورة الفلسطينية ومذيعها المؤسس قد غاب، الامين المؤدب والثوري المتقشف، قد غاب، الطيب بقلبه كما طيبة أطفال الحجارة، يحمل حجر والده لينقش عليه وحيدا ما ورثه عن أغصان "شجرة الشهيد" هناك حيث يرقد والده الشاعر في ناصرة الصمود وعمق الانتماء: "ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى".

اليوم يكسو دم " ابو العبد" الأرض بالارجوان ويثقل بالعطر روح النصر في قاهرة المعز ... اليوم ينام " الطيب" ليحلم حلم الخلود ويهنأ فيه بأحلى الرؤى لأرض ومجد ومهما طال الزمان لا بد وان يعود.

عنبتا وبيروت ومدينة نصر وكل ارض وقفت على منصات العمل فيها ستبكيك اليوم، براغ والقاهرة وعمان وبكين بسورها العظيم، سترفع اذان النعي لفراقك المؤلم .

اليوم تردد المآذن في كل محافظات الوطن ومخيمات الشتات واللجوء إعلان وفاتك بأبيات شعر لأبيك المرحوم عبد الرحيم محمود: " لعمرك هذا ممات الرجال ومن رام موتا شريفا فذا " ... فقد عشت يتيما ورحلت يتيما في مرحلة عصيبه، تبتلى فيها البلاد ببلاء ما بعده إبتلاء !

عشت شريفا عفيفا، مؤدبا متواضعا للكف نظيفا، توليت مناصب متعددة رفيعه، واستطعت بكل عز وافتخار ان تكون لشعبك طيبا وفيا، ترفض الرفاهية وبروتوكولات المهمين وتنأى بنفسك عن مواكب الزعامه وإجراءات المرافقة والحماية.

كنت الفتى الذي وصفه ابوك بحامي الحياض وكنت الابي الصامد الصابر على كيد الحقود.

اليوم ، نعرف تماما قيمتك بعد رحيلك، سنتساءل عن اختيارك لهذا الوقت؟ وكأنك تريد ان تنهي يتمك برحيل يتيم صامت ؟! لا جنازة مهيبة فيه ولا بيت عزاء يعج بمئات الاف المودعين؟ او انك تريد أن تعيدنا الى عنفوانك الثائر يا أديبنا الشاعر وشاعرنا المثير، فأنت المتمرس بالصعاب ولم تنل منه الصعاب، وأنت المتمرد الذي لم يرض يوما ان يقر على عذاب! وأنت من كان ينظم الاشعار دفاعا عن الحق ومن كان يعلي صوت فلسطين على كل صوت وخطاب .

اليوم ، وبعد سنوات طويلة من العطاء في الصفوف الامامية لحركة فتح وثورتها العملاقة، بعد سنوات مكللة بالانجاز تلو الانجاز لبناء مؤسسات دولتنا الواعدة ، ستناديك مآذن غزه فلا تستجيب, تطير نوارس بحرها صوب مصر العروبة لتشارك في تشييع جثمانك بحي "السادس من اكتوبر"، تتلو على ضريحك سورة الفاتحة نيابة عن شعبها المحاصر وتعود.

اليوم ، يا امين عام رئاستنا، ستنهال عليك مقالات النعي وأبيات الشعر وعبارات التأبين، ستتسلل الى مرقدك اكاليل الورود عبر الحدود! وسنستقبل عزاءنا بك عبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي, فالتجمهر في هذا الوقت الذي ترحل فيه ممنوع! والمصافحة وعناق المواساة يا حبيبنا بات مرفوضا! نودعك عن بعد وندعو لك عن بعد ونواسي بعضنا بوفاتك عن بعد .

اليوم ، ورغم ضنك الحال وتردي الاحوال، نستذكر كل محطات بطولاتك ونقلب صفحات تاريخك المليء بالتضحيات والنضالات، نزين منصات مواقعنا الالكترونية والاعلامية بصورك المتنوعة ونخشع محزونين عند سماع صوتك وانت تبث لنا خبر استشهاد زعيمنا ورئيسنا الخالد "ابو عمار" ... حتى في مماتك يا معلمنا تعيد النبض الى قلوبنا الوطنية لتجدد دماء الثورة فيها.

رحمك الله ايها القائد الطيب رحمة واسعة واسكنك فسيح جناته والهمنا واسرتك ومحبيك كل الصبر والسلوان.

وداعا ايها الطيب الأمين، إنا لله وإنا اليه راجعون.