الخميس 28، مارس 2024
18º
منذ 4 سنوات

متى سيقص شريط اعادة الحياة لطبيعتها ... وكيف ؟

متى سيقص شريط اعادة الحياة لطبيعتها ... وكيف ؟
حجم الخط

شبكة وتر-علّمنا كورونا أن الحرية أهم ما في الوجود، لذلك كان ثمنها باهظاً، وأنها لا تفرق بين دول عظمى وأخرى صغرى. ولا شك أن فيروس (كوفيد 19) مؤلم من مختلف النواحي سواء أكانت صحية أو تنموية أو اقتصادية وأيضاً اجتماعية.

لقد باغت هذا الفيروس العالم برمته وجاء في لحظة زمنية كانت التوقعات واسعة والثقة لا حدود لها بأنه فيروس غير خطير ويمكن السيطرة عليه، وهذا أدى إلى تساهل غير مبرر في بعض الدول، بينما أدركت بعض الدول الاخرى الخطر مسبقا كفلسطين وبدأت باجراءات استباقية صحية للحد من كارثة متوقعة.

لكن المتأمل في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم الناجم عن سبل مواجهة فيروس كورونا، وأهمها اليوم التركيز على العزل الصحي، حيث تحولت العواصم الكبرى في العالم إلى مجموعة من الشوارع الخالية، التي لا يرتادها إلا رجال الأمن أو رجال الإنقاذ من الطواقم الصحية، أو من اضطرتهم تحديات الوجود الإنساني للخروج لغرض معلوم، بدأ يتحسس ضخامة الثمن الاقتصادي والاجتماعي بل وحتى التحول الثقافي والفكري الذي يمكن أن ينجم عن هذه السياسات.

وبعد اكثر من شهرين ونصف مرت على بداية تفشي الوباء في يوباي بأوهان الصينية ومن بعدها منطقة لومبارديا في إيطاليا، هاتان المنطقتان اللتان كانتا الأكثر تأثرا ومعاناة من هذا الوباء، فإنهما تعتبران نموذجين يحددان مدى شراسة وخطورة هذا الفيروس في أسوأ الأحوال.

ولم يختلف المشهد الفلسطيني كثيرا، هناك توقف تام لعصب الحياة التجاري والاقتصادي والإداري. والاستثناء هو التزود بالمواد الغذائية والأدوية والوقود والخدمات الإدارية الضرورية.

السؤال الاكثر الحاحاً والذي يجب مواجهته والاجابة عليه هو: الى متى ستستمر هذه الإجراءات؟ ومتى سيتم اعادة الحياة الى طييعتها .... وكيف؟

لا يبدو أن أصحاب القرار في فلسطين لديهم إجابة، لأن هذه الإجابة مفقودة حتى لدى اصحاب القرار في الدول الكبرى وصانعي السياسات العالمية، ولكن هناك حقائق تمثل واقعا يجب أن نتذكرها جميعاً.

أولا، كثير من الفلسطينيين ممن يتلقون رواتبهم من الحكومة (موظفو القطاع العام) ويمثلون شريحة كبيرة، وكذلك الأثرياء وميسوري الحال وتمثل هذه الشريحة قرابة 8-10٪ من المجتمع المنتج فلسطينيا، قد تبدو لهم هذه الإجراءات عادية ولن يشعروا بآثارها على الأقل - في الأمد القريب، كما سنرى بل قد يرى فيها البعض مغنما - أجور من دون عمل - ولكن يجب أن نتذكر أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين ونسبتهم تترواح بين 88-90٪ من حجم المجتمع المنتج تسببت هذه الإجراءات في قطع مصادر رزقهم تماما. فكل أشكال البيع والتجارة متوقفة الآن، كل ورشات إصلاح السيارات والتجارة والنقل وغيرها من النشاطات اليومية توقفت بشكل تام.

مع تقديري واحترامي لمبادرة صندوق "وقفة عز"، يبقى التحدي الاكبر في الاعداد الكبيرة من المواطنين الذين لن يستطيعوا ان يتدبروا امرهم في ظل الالتزامات عالية التكلفة والدخل المقطوع ممن لن يشملهم دعم الصندوق، وتحديدا العمال من ابناء الوطن، هؤلاء كيف سيوفرون قوت يومهم؟

صحيح نحن شعب فيه من روح التكافل والتعاون والشهامة ما لا يمكن لإنسان أن يتصوره ربما، مهما كانت مساوئنا، وما يحدث من مبادرات تكافل وتضامن اليوم شاهد على ذلك، لكن إذا طال الأمر فإن التكافل والتعاون لن يكونا كافيين لضمان الاستقرار الاجتماعي، فهذا سيفوق قدرات أي شعب. بل إنه في مرحلة ما سيفكر كل فرد في إنقاذ أسرته، وهذه طبيعة النفس البشرية وقدرات تحملها، وقد ينفلت الوضع وينفجر المجتمع تحت طائلة الحاجة وانقطاع مصادر الرزق، وحينها تصبح عملية الحجر الصحي من الماضي وتصبح قضية انتقال الفيروس والعدوى مسألة ثانوية، ومن لم يصب اليوم سيصاب غدا في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية ورعاية صحية أسوأ بكثير.

ومن الواضح جليا ان مؤشرات الواقع الحالي "الاقتصادية والاجتماعية" ستتسبب في كسر سلسلة إنتاج الغذاء في فلسطين . لأن شبكة إنتاج الغذاء ليست معزولة عن النشاط الزراعي والنقل وورشات إصلاح السيارات ومحلات بيع قطع الغيار والحدادة والنجارة وتجار البذور والأسمدة بل وحتى المشتري الذي يوفر السيولة .. فالكل مترابط. فقط انتقال الأثر من حلقة إلى أخرى في السلسلة يتطلب زمناً، وكلما طال أمد الإجراءات الحالية ستتأثر حلقات أكثر إلى أن تنهار السلسلة كلها. وكلما قصر أمد الإجراءات كلما كانت التبعات محدودة وقابلة للاستيعاب اجتماعيا واقتصاديا وماليا.

مع تقديري لشعار "خليك في البيت" أو "ابقوا في منازلكم" ، هو شعار صحي فاعل، أما اقتصاديا فهو غير فاعل، وهذا الذي خلق الفروقات في التباعد بين العنصرين الاساسيين: الصحي والاقتصادي، فنحن اليوم نرفع شعار (اغلاق تام وحجر صحي). إن هذه الطريقة والمنهج ولأمد قصير ساعدت في الحفاظ على الناس، لكن النتيجة الطبيعية لهذه الإجراءات إذا طال أمدها وتخطت عتبة زمنية ما سيكون على الأرجح إزهاق أرواح وتفشي أوبئة صحية واجتماعية ستكون عواقبها وخيمة على الإنسان، ولن يكون حينها من الممكن أصلا الحديث عن حماية البعض أو الكثير من فيروس كورونا، لأن المنظومة الصحية نفسها ستكون أضعف مما هي عليه اليوم.

نحن كفلسطينيين لن نتحمل ان نخطىء، ولكن يجب علينا ان نكون مدركين ان البقاء على هذه الوتيرة خطأ اقتصادي لن نستطيع معالجته او التعافي منه الا لأمد طويل، فعلينا ان نكون مبتكرين مبدعين لاعادة الحياة الافتصادية تدريجيا، مستخدمين كل الوسائل المتاحة حتى لا نخطىء.

ولهذا فإننا هنا في فلسطين ومن أجل حماية الأنفس عبر حماية مصادر رزقها وعدم التسبب في كسر سلسلة الغذاء والزراعة المترابطة والتسبب في آفات قد تكون نتائجها وخيمة ويصعب التحكم فيها، فانني اقترح :

الحل الأمثل هو في الحجر الصحي الذكي أو التفاضلي. أي توجيه وإلزام المواطنين باتباع حماية أقاربهم من كبار السن وممن يعانون من أمراض مزمنة، تجعلهم مهددين بهذا الفيروس جديا في حالة إصابتهم، وعزلهم صحيا ومنعهم من حضور أي تجمعات أو صلوات جماعية، وكذلك منح عطل لمدة شهر أو حتى شهرين للموظفين الذين يعانون من أمراض مزمنة إلى حين انحسار الوباء. وفي نفس الوقت العمل الجاد بكل إمكانيات الحكومة على الاستعداد الصحي الشامل من تجهيز لمستشفيات مؤقتة حتى لا تنصب كل الرعاية الصحية في اتجاه واحد وتهمل بقية الحالات المرضية الأخرى ونجد أنفسنا نزهق أرواحا أخرى يمكن انقاذها. بالاضافة الى ما ذكرت سابقا، فإن اهمية انشاء صندوق وطني لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بشروط سهلة لاعادة إحياء الحياة الاقتصادية ضرورة وطنية وذلك في ظل حجر صحي ذكي.

دون أدنى شك إن العالم برمته يحتاج لإجابات على الكثير من الأسئلة عن الإجراءات المتخذة في وقتها وعن دور المنظمات الصحية والاقتصادية في العالم وهل كانت دقيقة وسريعة في التحذير من هذا الفيروس، والوسائل المعالجة للحالة الصحية والاقتصادية لكل بلد. وانني متأكد أن الدروس التي سنخرج بها ستقوي الإنسان وستحمينا في المستقبل من الأخطار ومما قد يكون أكثر فداحة.