الأربعاء 24، إبريل 2024
10º
منذ 3 سنوات

قراءة متأنية لقرار القيادة بالتحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل

قراءة متأنية لقرار القيادة بالتحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل
حجم الخط

شبكة وتر- لا شك بأن قرار القيادة الفلسطينية الذي أعلنه الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين ، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، التزاما ً بقرارات المجلسين الوطني والمركزي للمنظمة ، بالتحلل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية ، هو الحدث الأهم الذي وقع خلال الاسبوع الماضي والذي حظي باهتمام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وقد تراوحت التعليقات بين من يشكك بجدية هذا القرار ، ومن يرحب به ولكن يدعو الى ترجمته الى خطوات عملية ملموسة على الأرض ، ومن أشاد به ورأى فيه إنجازا وطنيا فتحاويا بامتياز.

وفي غمرة هذه التعليقات والإشادة والتشكيك جاءت الأنباء من الجانب الاسرائيلي تؤكد بأن الجانب الفلسطيني قام فعلا بوقف الاتصالات الرسمية مع الجهات الاسرائيلية وأن قرار القيادة الفلسطينية قد دخل حيز التنفيذ. وأنه تم إبلاغ الطرف الإسرائيلي رسميا بذلك ، وأنه وبناء عليه تم الغاء الخط الساخن الذي كان بين الطرفين للطواريء وتم سحب قوات الأمن الوطني التي كانت في أبو ديس شرق القدس وفي عدد من قرى شمال غرب القدس.

والمتابع لردود الفعل وخاصة على الجانب الفلسطيني يلاحظ أن هناك سوء فهم لدى الكثيرين ، سواء بقصد أو بغير قصد ، لمعنى ومفعول قرار القيادة لدرجة أن ذهب البعض الى القول بأن السلطة الفلسطينية قامت على أساس اتفاق أوسلو وأن إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بما في ذلك اتفاق أوسلو يقتضي حل السلطة وإلغاء وجودها . وفي رأيي أن هذا هو فهم مغلوط للمرحلة ولتطوراتها.

فإتفاق أوسلو كان يقضي بتأسيس سلطة فلسطينية مؤقتة ينتهي عهدها في أيار 1999 بقيام الشكل النهائي للحكم حسبما ما يُتفق عليه في المفاوضات. وكنا نحن نتحدث عن دولة وكان الإسرائيليون يسعون لتحقيق شكل أقل من دولة وأكثر من سلطة.

وأقول وعلى رؤوس الأشهاد بأننا نحن الفلسطينيين لم نتقيد باتفاق أوسلو فور إجراء الانتخابات التشريعية عام 1996 وبدأنا نتصرف كدولة ذات سلطات ثلاث. وكان أول ما أقره ومارسه المجلس التشريعي الذي انتخب آنذاك ، وكنت أحد أعضائه ورئيسا ً للجنة القانونية بعض الوقت ، هو رفض إخضاع العملية التشريعية لرقابة إسرائيل وأخذ موافقتها على ما يتم تشريعه حسبما كان ينص اتفاق أوسلو.

وقد قام المجلس التشريعي خلافا ً لاتفاق أوسلو بسن العديد من القوانين التي تحدت أو تجاهلت الأوامر العسكرية الاسرائيلية التي كانت تحكم الضفة والقطاع منذ احتلال عام 1967 ، بل وأكثر من ذلك فقد قام المجلس التشريعي بسن قوانين سيادية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر القانون الأساسي (الدستور) وقانون العلم الفلسطيني ، وقانون القدس عاصمة دولة فلسطين والعديد من القوانين التي لم يكن من الممكن سنها لو كان المجلس التشريعي يعمل تحت سقف أوسلو. وعلى من قد يشكك فيما أقوله بهذا أن يراجع اتفاق أوسلو والقيود والشروط التي وضعها على عملية التشريع وكيف ضرب المجلس التشريعي الأول بتلك القيود عرض الخائط وتحداها ولم يعمل لها أي اعتبار.

وخلاصة القول هو أننا نحن الفلسطينيون قد قمنا ، ومن خلال الممارسة ، بالتحلل من اتفاق أوسلو والتأسيس للدولة قبل قيام الدولة على الأساس التفاوضي. وأن صورة الحكم التي تبلورت خلال السنوات التي أعقبت ذلك تجاوزت مفهوم سلطة أوسلو الى ما هو أقرب الى مفهوم وشكل الدولة.

وعلى الذين يتوقعون أن يؤدي التحلل من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل الى حل السلطة والعودة الى نقطة الصفر أن يفهموا بأن الدولة هي استحقاق فلسطيني وأن بناء الدولة/السلطة هو خطوة على طريق الدولة المستقلة ، وأن الانقسام البغيض شكل نكسة في عملية السير على تلك الطريق لأنه أدى الى شل بل وإنهاء وجود السلطة التشريعية التي هي إحدى الركائز الثلاث الأساسية للدولة أية دولة . ومع ذلك فإن على الجميع أن يدرك بأن البديل للسلطة القائمة حاليا ً هو الاحتلال ولا أظن انسانا وطنيا ً واحدا ً يمكن أن يستمريء العيش في ظل الاحتلال وتغييب السلطة التي يجب التمسك بها وتطويرها على الطريق نحو الدولة لأنها إنجاز وطني على الطريق نحو الاستقلال. وأي تساوق مع محاولات تشويه السلطة والمس من هيبتها هو تساوق مع رغبات الاحتلال ووقوع في شركه.

ولا شك بأن الفهم الخاطيء مقصودا ً كان أو غير مقصود لقرارات القيادة بالتحلل من الاتفاقيات ، كان يتوقع أن تقوم السلطة بحل نفسها ، وحل الأجهزة الأمنية وتبييض السجون وإشاعة الفوضى في كل مرافق الحياة الفلسطينية وإطلاق العنان للظواهر المسلحة الكفيلة بالتدمير الذاتي للشعب والوطن والقضية وبكل المعايير. فهل يستطيع أي إنسان يملك الحد الأدنى من فهم العواقب أن يتوقع ذلك ويضع سيناريو للأحداث التي ستعقب ذلك ؟

التحدي الذي أمامنا يتلخص في خطة اسرائيلية لتصفية أي إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية من خلال تمزيق الأرض الفلسطينية الى أشلاء ، وضم أجزاء من الضفة وكامل منطقة الأغوار بوادي الأردن لأسرائيل لكي تضمن لنفسها السيطرة الابدية على المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن. وهذه الرغبة الاسرائيلية تحظى بدعم وتأييد دوائر واسعة في الادارة الأمريكية برئاسة ترمب التي تساوقت مع السياسة والأطماع الإسرائيلية الى أبعد الحدود وبشكل غير مسبوق ، وتنكرت لحقوق الشعب الفلسطيني إذ افترضت أن الشعب الفلسطيني هو شعب مني بالهزيمة وأن على المهزوم أن يقبل بشروط المنتصر كما هي الحال في كل الحروب . فاعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب وأغلقت القنصلية التي كانت في شرق القدس وأعلنت على لسان رئيسها بأن القدس ليست على مائدة التفاوض وأمعنت في تحدي الشعب الفلسطيني والتضييق عليه بأن قطعت المساعدات عن السلطة ، وحاربت وكالة الغوث لتصفية قضية اللاجئين ، وقطعت المساعدات عن مستشفيات القدس ، وأغلقت مكاتب م.ت.ف. في واشنطن ، ونزعت صفة الأراضي المحتلة عنها وأقرت بشرعية الاستيطان والضم ، وشنت حرب اغتيال معنوي ضد السلطة وقيادتها.

وبالرغم من كل ذلك لم ترضخ القيادة الفلسطينية للضغوط والحصار ومحاولات الإفقار وظلت واقفة بشموخ ترفض وتدحر محاولات التركيع والإذلال وتصر على التمسك بحقوق شعبها وتطلعاته للحرية والاستقلال.

ونحن نقف اليوم في مواجهة قرار إسرائيلي مدعوم أمريكيا ً بضم الأغوار وأجزاء من الضفة لاسرائيل وتصفية حلم الاستقلال والدولة. وهذا هو عنوان المعركة الحالية.

وفي فهمي وقراءتي لقرارات القيادة الفلسطينية أجد أن القيادة قد قسمت المواجهة الى مرحلتين: الأولى وهي مرحلة ممارسات الحكومة الاسرائيلية الجديدة الى أن تتقدم للكنيست بمشروع قرار الضم وهذه مرحلة قد تطول بعض الوقت ، والثانية هي مرحلة ما بعد قرار الضم إذا ما تم اتخاذه.

فبالنسبة للمرحلة الأولى لم يتم استخدام كل الوسائل التي بيد السلطة وإنما اقتصر الأمر على وقف العمل والتحلل من جميع الاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل وأمريكا وهذا يشمل التنسيق المدني والعسكري وفقا ً لاتفاق أوسلو. والتوجه نحو المؤسسات الدولية والأممية لتكريس الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومحاسبة إسرائيل ووفقا للشرعية الدولية.

والتنسيق العسكري واضح في نصوص أوسلو ويتعلق بنقل قوات الأمن الوطني من مكان لآخر وتنقل المسؤولين العسكريين والإشعار المسبق pre-notificationعن بعض التصرفات أو الإجراءات منعا ً لأي لبس أو سوء فهم وهذا شبيه باتفاقات مماثلة تتم حتى بين الدول المستقلة وخاصة التي بينها بعض التوتر في العلاقات وتسعى لتخفيفه وإزالته في إطار ما يسمى إجراءات بناء الثقة.

ولكن القيادة أبقت بيدها في هذه المرحلة ما يسمى ب " الحرب ضد الإرهاب الدولي " ، وكانت الإشارة لذلك واضحة في خطاب الرئيس وقرارات القيادة حيث أكدت بأن السلطة ستستمر في "محاربة الإرهاب" ، وهذه هي بمثابة رسالة قوية وواضحة بأن الفلسطينيين ، وفي هذه المرحلة على الأقل ، مستمرون في منع أية مظاهر للسلاح غير الرسمي ، ومنع أية عمليات أو هجمات مسلحة ضد إسرائيل أو الإسرائيليين بغض النظر عن وقف التنسيق العسكري ، إذ سيتم ذلك كإجراء فلسطيني بحت ولمصلحة الفلسطينيين.

ما تم اتخاذه هو خطوة أولى لمرحلة معينة تترك المجال لأمريكا وإسرائيل لاستيعاب حقيقة أن القيادة الفلسطينية جادة في الحديث عن وقف التنسيق العسكري ، وأن عليها أن تتصور ما يمكن أن يحدث لو تخلت السلطة عن التزامها ب " محاربة الإرهاب " وإسرائب تعي وتعرف ماذا يعني ذلك.

وفي قراءتي لقرارات القيادة ألمس بأنها لم ترد أن تستخدم كل ما في جعبتها من أدوات وإنما افترضت أن تغييرا ً قد يطرأ على الموقف الأمريكي سواء من قبل الرئيس ترمب أو إذا ما تم انتخاب جو بايدن بديلا ً له ، مما سيرفع الغطاء عن إسرائيل ويحول دون مضيها في إجراءات الضم ، وأنها أي القيادة ، أرادت أن تظل تمسك بأداة الضغط الأخيرة وهي ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب إلى أن ترى عمليا أين ستتجه إسرائيل.

ولكن أحدا ً لا يستطيع أن يضمن استمرار هذا الالتزام الفلسطيني إذا ما انتقلنا الى المرحلة الثانية وهي إذا لم يطرأ تغير على الموقف الأمريكي وبدء العملية التشريعية بالكنيست لاتخاذ قرار الضم وعندها سيكون لكل حادث حديث.

فلنقف جميعا ً الى جانب القيادة في إدارتها لهذه المواجهة الشرسة مع الاحتلال ولننبذ منطق وسياسة التشكيك في أنفسنا وقيادتنا وقدراتنا . فالمعركة الحقيقية قادمة لا محالة وهي معركتنا جميعا بأن نكون أو لا نكون ، وسنكون بإذن الله.