السبت 20، إبريل 2024
10º
منذ 5 سنوات

اللّص

اللّص
حجم الخط

شبكة وتر- حول توفيق بن بريك، تتطاير القوارير وتمطر الكلمات. آه، كم هو بارع في المُنازلة! وبالأخصّ، كم يعشقُ النزال! من أين تأتي هذه النّار المتصاعدة من ساحة المعركة؟ من ليل الحكّام أم من ليل المحكومين؟
لسنا نجدُ في رواية أصوله سوى طرقٍ عامرةٍ بقطّاع الطرق. لم نلتقِ، أنا وتوفيق بن بريك، حين كنّا أطفالاً، ولم نكن زملاء صفّ في السنة السادسة. إلاّ أنّي أتخيّلهُ وهو في الشارع. وجانب «المشاغب» فيه يبهرني. ذاك الذي يعبثُ في آخر قاعة الدرس، ذاك الذي يتهكّم على الأستاذ. كان المنشقّ الفظّ فيه قد تشكّل. ومحدثُ الفقاقيع هذا، يصنعُ الأفكار أيضا. يضعُ رضيعا في جيبٍ، ومُدْيَةً في الآخر من أجل تقطيع العالم. ذلك أسلوبه، إذ يتحدث وهو يمشي وإذ يقهقه عاليًا. في الرابعة عشرة كان على الطريق، برفقة سائقي البغال. كان والده نقابيّا. وإنّه ليُخيَّل لي أني سبق أن رأيت بيتهم القرميديّ المنتصب عند منحدر مائل.
حين أفكّر في ذلك، أقولُ إنه تِينَةٌ بربريّة، مصدر إزعاج دائم وهاربٌ من التجنيد، «رأسٌ مشتعلة» على حدّ قول الشاعر، وليس ذلك خاطئا. وربّما كلمة «الملعون» هي أكثر ما يُناسبه. بن بريك الملعون الذي كان بإمكانه أن يصبح لصّا عظيما أو رئيس عصابة. هو قاطعُ الطريق المحبط، ذاك الذي يسرق الأغنياء كي يعطي الفقراء. ذاك الذي يعدُّ العدّة للهروب. وكل شيء لديه متوقّع ومخطّط له بعناية وهو يحفر النفق، ولكن من أجل الجميع، وكي يتحرّر الجميع.
الحريّةُ، الحريّةُ الرائعة للجميع، أو لا شيء على الإطلاق.
إدوارد سعيد

اقرأ أيضا
الشيطان يحكي
الشيطان يحكي
السراب
السراب