تاريخ النشر: 2017-12-11 15:02:31

إياد بشارة.. الشهيد الذي زار منازل بيت ساحور

إياد بشارة.. الشهيد الذي زار منازل بيت ساحور

شبكة وتر- كتب إيهاب الريماوي - قبل استشهاده بثلاثة أشهر، طلبت والدته منه صورة للذكرى، كان شعورها أن حياته باتت قصيرة، اختار أن يسير في طريق صعبة لن يعود منها، حاولت منعه خشية أن تفقده، لكنه سلم روحه يوم الثلاثين من شهر تشرين أول/ أكتوبر عام 1988.

صعد إياد بشارة 19 عاماً يوم التاسع والعشرين من شهر تشرين ثاني/ أكتوبر عام 1988، أعلى سارية في بلدة بيت ساحور، وكان يلتف حول جسده النحيل علم ضخم استعاره من أحد بيوت البلدة، ولما نصبه أصبح هذا العلم يرى على مد النظر، كان ذلك تحديا لقرار سلطات الاحتلال الاسرائيلي التي تصادر كل قطعة ترمز إلى القضية الفلسطينية.

في اليوم التالي، والذي يصادف يوم الأحد اشتعلت مواجهات قوية في البلدة بين الشبان وجنود الاحتلال، كان دوي الرصاص والقنابل مألوفاً لدى أهالي بيت ساحور، والتي عاشت على وقع المواجهات أكثر من أربعين يوماً.

بينما كانت مريم أبو سعدا منشغلة بأعمال البيت، شاهدت رجال من البلدة يهرولون نحو منزل قريب زوجها المحاذي لمنزلها، ناداها أحدهم ليخبرها بأن ابنها إياد أصيب بالمواجهات بجروح خطيرة، لم تصدق الخبر، فهو الذي كان معها منذ قليل في الكنيسة يؤدون الصلاة، حتى أنها لم تشعر بأي شيء، فقط لم تصدق، ثم مضت تتابع أعمالها.

برهة من الزمن، وتجمع حشود من البشر، حاملين على أكتافهن إياد مسجى بدمه، وضعوه في بهو المنزل، ومسرعة وقفت على رأسه، لم تظهر أي علامات للدماء على جسده، كان قد أصيب برصاصة في شريان رئيسي أسفل البطن، خمسة دقائق كانت كافية ليغادر الدنيا، أخبروها لاحقاً انه افترش تحت ظل شجرة زيتون ولفظ أنفاسه الأخيرة هناك.

الغليان الذي رافق استشهاد إياد بشارة، جعل جنود الاحتلال يداهمون منزل الشهيد لخطف الجثمان، إلا أن عائلته كانت قد تنبهت للأمر، ورحلت الجثمان إلى العبيدية المجاورة، ثم إلى الوديان القريبة من البلدة، وصولاً إلى عديد البيوت، كان الجثمان يتنقل من مكان إلى آخر، فالاحتلال داهم معظم بيوت بيت ساحور بحثاً عن جثمان الشهيد.

ظل جثمان الشهيد هكذا، فالاحتلال أمر بأن يتم دفن أياد خلال الليل حتى لا يتم تشيعه في جنازة شعبية، وفي يوم الأحد وهو اليوم الذي تلا استشهاد إياد عصى أهل البلدة أوامر الجيش وخرجوا في جنازة رمزية.

كان إياد قد قال لوالدته ذات مرة، أن لا تبكيه إن استشهد، بل أن تستقبل الخبر بالزغاريد، وبرفع إشارة النصر، وهذا ما كان.

 في أربعينية استشهاده، عندما رفعت صورته عالياً أمام مئات الناس في كنيسة بيت ساحور وبحضور لفيف كبير من الأجانب، أطلقت زغارديها ورفعت شارة النصر، والتي أصبحت صورتها أيقونة لنضال بيت ساحور وعصيانها المدني.

بعد عامين على استشهاد إيادع، زينت والدته شجرة عيد الميلاد بصور الشهيد، لم يكن يعنيها كثيراً الفرح وقتها، كانت حافظة لوصية الدم، زينت الشجرة من منطلق وطني، قبلها كانت تستقبل المعزين بالاستشهاد مدة ستة أشهر.

في هذه الفترة كانت بيت ساحور تشيع أبناءها شهداء، فقد كان لها نصيبها في دفع ثمن مقاوتها الاحتلال الاسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى، الذي ميزها هو رفضها دفع الضريبة إلى حكومة الاحتلال الاسرائيلي التي كانت تسيطر على كل مناحي الحياة، ورداً على الإضراب أو العصيان المدني أو الوطني الذي شرع فيه أهالي البلدة، حاصرها الاحتلال وشن اقتحامات يومية للمنازل.

بات الاحتلال يقتحم المصانع والتي كانت تتألف من مصانع للصدف والبلاستيك والألمنيوم، ويصادر أملاك كل من لا يدفع الضريبة، صادر ماكينات المصانع، وأثاث المنازل من كنب وتلفزيونات.

وجد المواطنون أنفسهم في الضفة الغربية وقطاع غزة مجبرين على حملة بطاقة هوية إسرائيلية، تجعل كل فلسطيني يحمل رقما في ملف الحاكم العسكري، وكان كل مواطن يرفض حملها يعرض نفسه للمحاكمة والسجن.

قرر أهالي بيت ساحور إلقاء هوياتهم، وكان رد فعل الجيش الاسرائيلي بتكثيف حصار البلدة، وفرض منع التجول فيها، وكان هدف الاحتلال من ذلك أن لا يزيد عدد المواطنين الذين يلقون هوياتهم، وقام بتوزيع كل الهويات الملقاة على المواطنين حتى ساعات متأخرة من الليل، خشية من اتساع رقعة العصيان.

تصاعد العصيان المدني في بيت ساحور وصادر الاحتلال كل الرموز الوطنية كالأعلام الفلسطينية، حتى وجه المخدة المنقوش عليه العلم صادروه، والكوفية كذلك كان لها نصيب من المصادرة.

حجم التكافل الاجتماعي في تلك الفترة قل نظيره وفق مريم أبو سعدا، ففي ظل الحصار كانت سلال العنب تأتي وتهرب إلى داخل البلدة قادمة من الخليل، وكافة أصناف الطعام تصل من العبيدية وبيت لحم ومن المناطق القريبة،

"لقد أصبحنا حكاية العالم، تفاجأ الكون بقدرتنا على تحدي إسرائيل، صبرنا على حصار الاحتلال، لكننا في النهاية رفضنا خفض رؤوسنا، وأرغمناهم على الانصياع لمطالبنا". تقول مريم أبو سعدا

تتنهد أم إياد قليلاً وتقول: "لقد مر 29 عاماً على استشهاده، قبل بضعة أشهر فقط بدأت حياتي".

 

 

المصدر:
وكالة وفا