تاريخ النشر: 2018-03-09 09:38:00

الثامن من آذار وصاحبة الأبجدية الصامدة

الثامن من آذار وصاحبة الأبجدية الصامدة

لعل أجمل ما في الحياة المنعمة بهمومها وأحزانها، والمتخمة بأثقالها وأشجانها، أن تجد بجانبك ومعك امرأة تتقن معنى أنوثتها تندفع العاطفة من عينيها، وتدفعك لتصاحب الأبجدية، وتحث منابع الإبداع فيك لتخرج الحروف المعطرة من تحت لسانك اندفاعاً يثير فيك كوامن الشعور، وينزع من صدرك آهات اللوعة المكتومة، وزمرة الشجن الحبيسة التي تكاثرت بفعل الفاعلين.

في حديث مطول حول الفرحة بيوم العطلة الرسمية الذي أقرته الحكومة في الثامن من آذار باعتباره يوماً عالمياً للاحتفال بالمرأة، احتد النقاش بين زملائي حول شرعية هذا اليوم باعتباره ليس مؤشراً على تقدير دور المرأة في مناحي الحياة، لكن ما أثار فضولي للمشاركة في الحديث الذي لم أستصيغه في البداية هو قول أحدهم : لم تعد المرأة مرأة، فرددت دون تفكير، ولم يعد الرجل رجلاً!! واستمر الحوار طويلاً إلى أن اقتنع بأن مكانة المرأة لا يمكن أن تتجسد بالاحتفال بيوم لها، خاصة المرأة الفلسطينية التي تعيش  ظروفاً لا تعيشها أي امرأة غيرها .

ولأن الواقع أقسى من أن يفكر الإنسان بقدرته على السعادة وشعوره بقيمة المرأة، إلا أنه من الصعب أن تكتمل مقومات الصمود دون حارسة النار، ولا أعتقد أنه  في ظل الظروف الحالية وتداخل المفاهيم والقيم، وانحسار المبادئ وتعاظم المصائب يوجد أقدر منها على شد عضد الرجل، وتجميل إحساسه، وتعزيز قدرته على الصمود، وكشف معاني الجمال في داخله .

    إن المرأة لم تخلق من رأس الرجل كي لا تتعالى عليه، ولا من قدمه كي لا يحتقرها، بل من ضلعه لتكون بجانبه فيحميها وتكون قريبة من قلبه، فيحبها وتحبه، حيث إنها تستطيع أن تكتم حبه أربعين عاماً ولا تكتم بغضه ساعة واحدة، تحاول أن تتظاهر بقوتها لكنها تحب ضعفها أمام من تحب، وهو عكس ما يتوقعه الرجل أحياناً، فإن جعلها الرجل بجانبه كانت السعادة، وإن جعلها خلفه كانت غير المرأة .

لكني أرى أن العالم قد حفر قبراً للمرأة ثم وأدها فيه، ثم رفع قبعته محيياً لها، عندما دعا إلى تحريرها ليس حرصاً عليها، بل رغبة فيما تملك واستغلالاً للجمال في روحها لتحقيق مآرب لا إنسانية. ولست هنا بصدد الحديث عما كرمه الإسلام للمرأة، وما أقره لها من حقوق، لكني أردت الحديث عن قضية مهمة ترتبط بعلاقة الرجل بالمرأة. فقد لاحظت أنه كلما كثر الحديث عن المرأة بدا الرجل متهماً والعكس صحيح، وكأن القضية المرتبطة بعلاقتهما حَصرت في صراع النوع ومهما كانت شرعية العلاقة بينهما فإن العلاقة تحمل من التداخل والاحتياج أكثر من التميز، وعليه فإن ما يحكم هذه العلاقة مبدأ قيمي/ أخلاقي أكثر منه حقوقي مع ضرورة الاعتراف به، فالحب عطاء والفراق أخلاق .

إن صيحات التنديد التي تعالت حول تردي واقعها أوقعت المرأة بين تيارين أولهما: إلقاء اللوم على سياسيات التهميش، وثانيهما: محاولة اللحاق بالنموذج الحداثي، مما اجتر صورة المرأة إلى الصورة النمطية المتعلقة بظلمها (وصفها الكائن المظلوم / الضعيف) تاريخاً ونوعاً، ولكن الحقيقة أن المرأة أكبر من هذا كله، وهي شقيقة الرجل وشريكته.

ولو عادت نظرة الرجل للمرأة مشرقة كما رسمت بكامل إنسانيتها وكينونتها المنسجمة مع فطرتها، لما دخلت في صراع للحصول على حقوقها، ولو خرجت صورة المرأة في عيون المجتمع من دائرة العنف والتخلف والتهميش والجنس، لقدمت مشاعرها النقية دون منة أو استخدام سلاح .

إن الإنصاف يكون بإعطاء الحق مع الاحترام والتكريم، ومن الإنصاف التسوية فيما تساوت الأسباب والمقدمات، وكذلك عدم المطابقة بين الأشياء المختلفة، فبقدر ما تكون المرأة شبيهة بالرجل بقدر ما تفقد جاذبيتها ومكانتها أمامه، وكذلك الرجل بقدر ما يتشبه بالمرأة  ويتخنث في سلوكه بقدر ما يفقد جاذبيته عند المرأة .

إن المرأة بمفهومها الحق يختلف كثيراً عما تحاول بعض النساء إيصاله لنا، فهي ليست التي تبحث عن إثبات نفسها على حساب غيرها، وهي ليست التي زيف الحضارات لتكتفي بغير قلبها، وهي ليست التي تفتخر بتحطيم القلوب وزيف العلاقات وهي ليست التي تسور طموحها في الملبس والموضة . بل هي التي أجمل من الجمال، وتعرف المزج بين كل ما هو مطلوب في مواقفه اللازمة، هي الفاتنة بفكرها، العازفة لمقاصد وجودها والمدركة لمقاصدها، صاحبة كلمة السر لنفوس الآخرين.

وخلاصة القول :

إن أحسنا قراءة عبقرية الأنوثة لدى المرأة، لأعلنت لنا العيد كل يوم .