تاريخ النشر: 2018-03-27 07:37:39

بولتون... وقرار الحرب الأميركي!!

بولتون... وقرار الحرب الأميركي!!

شبكة وتر- تصاعدت التحليلات وذهبت بعيداً في التنبؤ والتوقع أنه بتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي الأميركي - وقبله بتعيين بومبيو وزيراً للخارجية أن قرار الحرب أصبح له أولوية في السياسة الأميركية، وأن الحكومة الأميركية حكومة حرب وكأننا مقدمين على حرب قريبة.

هذا التحليل فيه قدر من التبسيط. وللوقوف على تداعيات هذه التعيينات علينا أن نتفهم قليلاً أين يقع قرار الحرب في السياسة الأميركية؟ وما هي صلاحيات الرئيس الأميركي العسكرية؟

دستورياً ووفقاً للمادة الثانية من الدستور الأميركي الرئيس هو الوحيد الذي يمثل السلطة التنفيذية في مواجهة السلطتين التشريعية والقضائية، والعلاقة بينهما تقوم على الفصل المطلق للسلطات، ولكن يتميز النظام السياسي الأميركي بنظام الكوابح الذي يعني قيام كل سلطة من هذه السلطات بكبح جماح السلطة الأخرى. ولعل الهدف الرئيس من إبتداع هذا النظام تخوف المؤسسين الأوائل من تحول الرئيس الأميركي الى ديكتاتور لا يمكن كبح جماحه، وقد يدفع الى جر الولايات المتحدة الى حرب كبرى تهدد بقائها وأمنها.

وعليه يقوم الكونغرس بمشاركة الرئيس الأميركي لسلطاته وصلاحياته. فالرئيس يعتبر رقم واحد في النظام السياسي الأميركي، وكل العيون تتجه نحوه في الداخل والخارج حتى عيون أعضاء الكونغرس الأميركي، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقوم بكل التعيينات العسكرية وتعيين الحكومة والمؤسسة العسكرية تدين بالولاء للسلطة المدنية طالما انها ملتزمة بالديمقراطية الأميركية، وفي الوقت ذاته لا يمكن تجاهل تأثير دور الدولة العميقة الذي تقوم به المؤسسة العسكرية والمخابرات.

لذلك من الطبيعي دستورياً أن يقيل الرئيس ويعين من يراه مناسباً في المناصب العسكرية العليا كالدفاع ورئاسة الأركان، مع ملاحظة أن مجلس الأمن القومي الأميركي مؤسسة تفكر وتقدم توصياتها للرئيس الأميركي في القضايا العالمية، ولذلك يعتبر مستشار الأمن القومي مجرد موظف عند الرئيس، وليس بالضرورة يحتاج لموافقة الشيوخ، عكس منصب وزير الدفاع.

ورغم أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الاّ ان قرار الحرب يبقى بيد الكونغرس، لكن يملك الرئيس قرارات العفو ووقف العقوبات عن الدول، ويملك سلطة صلاحية إرسال قوات مسلحة في بعض المناطق التي قد يرى انها تهدد مصالح الولايات المتحدة لمدة ستين يوماً، يمكن ان تجدد لثلاثين يوماً أخرى، دون إعلان الحرب، لكنه ملزم بإرسال تقارير للكونغرس الأميركي، ولا يمكن تجديدها إلا بموافقة الكونغرس.

ويتحكم الكونغرس في إقرار الموازنة العامة، وخصوصاً الموافقة على الموازنة العسكرية. وفي ضوء هذا التفسير الدستوري فإن قرار الحرب بيد الرئيس، وليس بيد مستشاريه.

في النهاية ماذا يرى الرئيس؟ والرئيس تحكمه عوامل كثيرة في أي قرار يتخذه، مثل المحددات الداخلية والقيود التي يفرضها الرأي العام الأميركي، فالولايات المتحدة خاضت ٢٤ تدخلاً عسكرياً من التدخلات الكبرى منذ الحرب الكبرى، والعشرات من التدخلات في الصراعات المنخفضة، ولا شك أن هذه التدخلات كلفت الولايات المتحدة ثمناً بشرياً ومالياً باهظاً، وهذا ما دفع الرئيس السابق أوباما لتبنى استراتيجية سحب القوات الأميركية من مناطق النزاع الكبرى مثل أفغانستان والعراق، وتجنب الدخول في حروب جديدة كالأزمة السورية. وفي السياق ذاته كانت غالبية الشعب الأميركي تؤيد هذه السياسة، وعندما جاء الرئيس ترامب وشعاره «أميركا اولاً تبنى سياسة الإنكفاء الذاتي.

وعلى الرغم من تصريحاته القوية، لكنه لا يختلف كثيراً في نهجه عن السياسة التي إتبعها الرئيس أوباما. إلا أن هذه التغييرات السياسية في أهم المناصب تشير الى توجه السياسة الأميركية نحو إتباع وسائل التصلب في المواقف، والتوافق بين الرئيس ووجهة نظر مستشاريه، تعنى أيضاً وهنا تكمن الخطورة توجه النظام السياسي الأميركي نحو الشخصنة.

ولعل أكثر القضايا التي قد تنعكس عليها الموقف من الاتفاق النووي مع إيران، وهنا نحن أمام خيارين: الانسحاب أو العمل على تعديله، لكن خيار الدخول في حرب مباشرة مع إيران قد يكون خياراً ليس كبيراً نظراً للتحولات الكبيرة في موازين القوى والتغيرات التي طرأت على بنية القوة الدولية، فلا يمكن للرئيس الأميركي إغفال أو تجاهل دور القوى الرئيسة مثل روسيا، وتزايد الفواعل من غير ذات الدول.

فالمحددات الإقليمية والدولية لإستخدام القوة قد تجعل الرئيس الأميركي يفكر كثيراً قبل الذهاب لحرب مع إيران. والدولة الثانية التي تشكل تهديداً مباشراً على مصالح الولايات المتحدة، كوريا الشمالية، ويلاحظ التراجع في إحتمالات الذهاب للقوة أو الحرب معها. وسياسة التصلب قد نجدها في التعامل مع السلطة الفلسطينية الأضعف من خلال قطع المساعدات ووقفها، والتهديد بغلق مكتب منظمة التحرير.

ومن العوامل التي يمكن ان تشكل قيداً على قرار الحرب رغبة الرئيس الأميركي في تجديد رئاسته، وهذه الرغبة تتطلب النأي عن أي حرب إقليمية بأبعاد دولية. فمن السهل على الرئيس الأميركي إتخاذ قرار الحرب، ولكن ليس سهلاً الخروج منها. ويظهر هذا في التردد حتى الآن في التعامل مع الأزمة السورية.

وقد يبقى خيار او شكل آخر لقرار الحرب بالوكالة بقيام دول أخرى كإسرائيل بإفتعال الحرب مع إيران أو مع حزب الله أو حماس في غزة، لكن يبقى خيار الحرب الإقليمية أو الدولية من الخيارات البعيدة، وهذا يرجع ايضاً لشخصية الرئيس ترامب التي تميل نحو عقد الصفقات التجارية المضمونة، لكن عقد «صفقات الحرب» لا أحد يضمن مكاسبها.

وفي النهاية هذه التغيرات وسياسات التصلب سوف تفرض نفسها على الدول المستهدفة كإيران، وستؤخذ بجدية أكبر. وستدخل كل التحليلات والتوقعات في حالة من عدم اليقين.