تاريخ النشر: 2022-01-29 09:47:21

الحماية الدولية.. كيف تُطلب وممن؟

الحماية الدولية.. كيف تُطلب وممن؟

شبكة وتر- كل يوم تتواصل جرائم وانتهاكات السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بشكل عام، والمقدسيين بشكل خاص. انتهاكات مستمرة لم يعد يوقفها شيء تقريبًا. مع استمرار هذه الانتهاكات للقانون الدولي ولحقوق الفلسطينيين، تُطل علينا شخصيات فلسطينية رسمية، وشبه رسمية، وبشكل شبه يومي، تطالب من خلال وسائل الإعلام المحلية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالحماية الدولية للمقدسيين ضد الانتهاكات الإسرائيلية، لكن هذه الحماية لا تأتي أبدا، لماذا؟

بداية، من المهم الإشارة إلى أن الحماية الدولية لا تُطلب عن طريق مؤتمرات صحفية أو لقاءات في وسائل الإعلام أو عن طريق “بوستات” في وسائل التواصل الاجتماعي، كما لا تٌطلب بأي من الأساليب الأخرى التي يتبعونها.

مفهوم الحماية الدولية
فكرة أو مصطلح الحماية الدولية حديثة نسبيًا. أول ظهور لها كان الهدف منه حماية الأقليات الدينية في معاهدة وستفاليا الأوروبية عام 1648. لاحقاً، سعى النظام الدولي لإنشاء نظام محدد لحماية الحقوق السياسية وحقوق الأقليات داخل الدول بحيث لا تعود هذه الحقوق شأنا داخليًا مرهونًا بالتطورات السياسية الداخلية لحماية الحقوق السياسية داخل الدول، كما حد من جعل هذه الحقوق من الشؤون الداخلية التي تحتكرها الدول.

واختلف فقهاء القانون الدولي في تعريف مصطلح الحماية الدولية، فمنهم من توسع بتعريفها والمطالبة بها، ومنهم من ضيق هذا التعريف وحدده. الملاحظ أن كل الاتفاقيات والمعاهدات التي ذكرت مصطلح الحماية الدولية لم تحاول تعريفه ولم تورد تعريفا له، وإنما اكتفت بذكر مجموعة من الإجراءات التي تُلزم بها الدول سواء أكان هذا الالتزام قانونياً أم أدبياً. ومع الوقت، وبعد أن انتقل مفهوم القانون الدولي من قانون لمجموعة/جماعة من الدول إلى قانون ينطبق على المجتمع الدولي بأكمله (حسب مبدأ العالمية) أصبح مفهوم الحماية الدولية حقيقة راسخة على أرض الواقع.

عرّف القاموس العلمي للقانون الإنساني الحماية الدولية بأنها “تعني الحمايةُ الإقرارَ بأن للأفراد حقوقاً، وأن السلطات التي تمارس السلطة عليهم لديها التزامات، وتعني الدفاع عن الوجود القانوني للأفراد، إلى جانب وجودهم المادي. لذلك تعكس فكرة الحماية جميع الإجراءات المادية التي تمّكن الأفراد المعرضين للخطر من التمتع بالحقوق، والمساعدة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية وفي كل حال على منظمات الإغاثة أن تكرس هذه القوانين بصورة ملموسة”.

أهمية الحماية الدولية
مع بداية النصف الثاني للقرن العشرين، انتقل الاهتمام في العلاقات الدولية من إطار الدول والتزاماتها وحقوقها إلى الأفراد وحقوقهم. وبدأ الاهتمام بحقوق الأفراد يتوسع شيئًا فشيئًا، بداية من حقهم بالحياة ومنع التمييز العنصري، وصولًا إلى حرية الفكر والعقيدة والعمل.

في كثير من الاحيان -وكما نرى بشكل واضح من الحالة الفلسطينية الإسرائيلية- فإن الحديث عن حقوق الأفراد المذكورة في بنود القوانين والدساتير لم يتعد شعارات شكلية للسلطات على الأرض. بالمجمل، فإن العلاقة بين الأفراد والسلطات ليست متوازنة، فالأفراد هم الطرف الضعيف أمام السلطات. هنا تظهر بصورة جلية الحاجة إلى الحماية الدولية أمام انعدام توازن القوى على المستوى الداخلي. هذا التوازن بالقوى -كما نعرف جميعًا- ليس فقط معدوما في حالة المقدسيين أمام سلطات الاحتلال الإسرائيلية، لكن السلطات نفسها تستعمل بكل قوتها للإضرار بالفلسطينيين، من خلال التشديد في حق الإقامة وقرارات هدم البيوت والإخلاءات.

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 مبدأ المسؤولية عن الحماية الذي أكد مسؤولية المجتمع الدولي الأوسع عن اتخاذ تدابير “في الوقت المناسب وحاسمة” لحماية المدنيين المعرضين للخطر عندما يتم التأكد من أن دولتهم التي تتحمل المسؤولية الأساسية عن حماية مواطنيها “فشلت بشكل واضح” في أداء واجبها. يمكن عندئذٍ اتخاذ تدابير قسرية مناسبة ومتناسبة، ومصرح بها بشكل مناسب من قبل الأمم المتحدة، كملاذ أخير.

ولا يوجد مكان في العالم يتجلى فيه هذا أكثر من الظروف المحيطة بالنزاع حول ملكية الفلسطينيين لحي الشيخ جراح في القدس. بعد طردهم من منازلهم مع تأسيس إسرائيل عام 1948 ومنعهم من استعادة منازلهم الأصلية، أصبحوا على وشك التحول إلى لاجئين مرة أخرى بحجة أن المنازل التي عاشوا فيها لعقود من الزمن مملوكة بشكل قانوني للمستوطنين، وفقًا لنظام القضاء الإسرائيلي.

وهذا يعني أنه في الوضع الطبيعي، وحتى عندما يكون الأفراد مواطنين في دولتهم ولكن هذه الدولة تنتهك حقوقهم بشكل صارخ، يكون من الواجب على المجتمع الدولي التدخل لحماية هؤلاء الأفراد. هذه الحماية تنطبق على الحالة المقدسية، وبالتحديد عندما يكون هؤلاء الأفراد ليسوا أكثر من “مقيمين” بالنسبة للدولة.

كيف يحمي القانون الدولي حقوق الإنسان؟
يحدد القانون الدولي لحقوق الإنسان الالتزامات التي تلتزم الدول باحترامها. من خلال الانضمام إلى المعاهدات الدولية، تتحمل الدول التزامات وواجبات من خلال التصديق على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، كما تتعهد الحكومات بوضع تدابير وتشريعات محلية تتوافق مع التزاماتها وواجباتها التعاهدية. لذلك، يوفر النظام القانوني المحلي الحماية القانونية الأساسية لحقوق الإنسان المكفولة بموجب القانون الدولي. وعندما تفشل الإجراءات القانونية المحلية في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، تتوفر آليات وإجراءات للشكاوى الفردية والجماعية على المستويين الإقليمي والدولي للمساعدة في ضمان احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتنفيذها وإنفاذها على المستوى المحلي.

وبناءً على ذلك، فإن ميثاق الأمم المتحدة حدد “إعادة تأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وكرامة الفرد وقدره، وبالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، والأمم كبيرها وصغيرها، كأحد أهداف المنظمة العالمية. تم تضمين مزيد من الشروط في نص الميثاق نفسه. تنص المادة 1 (3) على أن تكلف الأمم المتحدة بتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين”.

آخر مؤسسات الأمم المتحدة التي يجب ذكرها فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان هي مجلس الأمن. على الرغم من أنه لم يكن المقصود له العمل كضامن لهذه الحقوق، فقد أكد مفهوم المسؤولية عن الحماية قدرة وسلطة مجلس الأمن على التدخل في المواقف التي عانى فيها سكان دولة ما من اعتداءات شديدة على كرامتهم وحقوقهم، أو تعرضوا لتهديد شديد من هذا القبيل. وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يُمنح مجلس الأمن سلطات بعيدة المدى لاتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة. ولسوء الحظ، فإن حق النقض (الفيتو) -الذي تتمتع به الدول التي تشغل مقعدًا دائمًا في هذا المجلس- كثيرًا ما يمنع تلك الهيئة من اتخاذ مثل هذا الإجراء.

الحماية الدولية والفلسطينيون
يجب أن نعلم جميعا أن الحماية الدولية لا تُطلب عن طريق وسائل الإعلام ولا تُطلب بشكل جماعي بالطرق التي نراها حاليا. ما يحدث للأسف هو طلب “مسرحي” للحماية الدولية للمقدسيين في حي الشيخ جراح أو غيره.

تنص بعض معاهدات حقوق الإنسان على إجراءات لتقديم الشكاوى. ويجوز للأشخاص الطبيعيين مخاطبة هيئات الخبراء عن طريق المراسلات الفردية. كما يجوز تمكين الدول الأطراف من تقديم البلاغات بين الدول. وبموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن التواصل الفردي قد اكتسب دورًا مهمًا. لقد أصبحت لجنة حقوق الإنسان بالفعل بمثابة محكمة لحقوق الإنسان على المستوى العالمي. وفقهها القانوني، المؤلف من آراء غير ملزمة، يُشار إليه أيضًا من قبل المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان. وعلى أية حال فإن إجراء الشكاوى بين الدول أقل نجاحًا حتى الآن. وبشكل عام، تمتنع الحكومات عن اتخاذ إجراءات رسمية ضد أحد شركائها السياديين.

الحماية الدولية تُطلب بشكل فردي، بحيث يقوم الشخص المعني بتقديم طلب إلى المحكمة الجنائية الدولية (هذا في الحالة الفلسطينية) يطلب فيها من المحكمة حمايته هو وأفراد عائلته وممتلكاته ووضع نفسه تحت حمايتها بالكامل.

ويأتي دور الجهات الرسمية، ومن يتحدثون ويطالبون بالحماية إعلاميا، أولًا: بتوجيه السكان للسير في هذا المنحى، ثانيًا: بالتواصل مع محامين دوليين، والتنسيق بينهم وبين السكان لأجل توكيل هؤلاء المحامين للتوجه إلى المحكمة لطلب الحماية، ثالثًا: بالعمل فعليًا على حماية السكان من أي ردة فعل إسرائيلية انتقامية جراء هذه الخطوة.

للأسف، على أرض الواقع لا نرى سوى مناشدات عبر وسائل الإعلام المحلية للمحكمة الجنائية الدولية، بالتدخل، حيث تتابع الأخيرة ومدعيها العام هذه المحطات. وهذه التوجهات إعلامية تتحاشى أي تواصل فعلي مع المختصين القانونيين، وترى أن توجه السكان لطلب الحماية من خلال هؤلاء الخبراء شأن خاص بالسكان، وهم وحدهم يقررون التوجه من عدمه.

سكان الشيخ جراح ووادي ياصول وبطن الهوا، والآلاف غيرهم من سكان القدس، يئنون تحت الضربات الإسرائيلية، لا يساعدهم أحد ولا تفيدهم الزيارات الميدانية أو المؤتمرات الصحفية. الحماية الدولية موضوع مهم، لكن الاستمرار بالحديث عنه إعلاميا دون بدء تنفيذه سيفقد المقدسيين إيمانهم به كما فقدوا إيمانهم بالقانون الدولي لكثرة ذكره إعلاميا بدون أي تغيير على الأرض.

كانت إسرائيل الدولة الأولى التي تم إنشاؤها بموجب قرار من الأمم المتحدة (قرار التقسيم). إن رفضها الالتزام ببنود ذلك القرار يقوض شرعيتها. والأهم من ذلك أن الأمم المتحدة مسؤولة بشكل مباشر عن معاناة ضحايا هذا القرار وتجريدهم من ممتلكاتهم. ثانيًا، حتى من المنظور الإسرائيلي، يجب أن يكون تطبيق مسؤولية الحماية على فلسطين أمرًا مرغوبًا فيه. الأساس المنطقي للدولة اليهودية هو توفير ملجأ لفئة من الناس عانوا من الاضطهاد والعداء. سيكون من التناقض أن تقوم الدولة -التي من المفترض أن تحمي فئة معينة من الاضطهاد- وتنغمس هي نفسها في اضطهاد الآخرين.