وليست هناك سجلات دقيقة محفوظة تبين المجالس البلدية التي تعاقبت على المدينة قبل الاحتلال البريطاني عام 1917؛ لكن ثمة ما يؤكد أن أول مجلس بلدي للمدينة، شُكل عام 1893 زمن العثمانيين دون ذكر رئيسه أو أعضائه.
وشكل أول مجلس بلدي لغزة، السيد علي خليل الشوا-وفق كبار السن بالمدينة-، ثم تلاه الحاج سعيد محمد الشوا، الذي اعتبر أول رئيس مجلس لبلدية غزة سنة 1906 إلى سنة 1917، حيث كان يعمل مع مجلس وهيئة بلدية.
صورة تذكارية لأعضاء مجلس وهيئة بلدية غزة
واستمر المجلس طيلة سنوات الحرب العالمية الأولى، وأثبت ذلك قصاصة لجريدة فلسطين التي كانت تصدر في مدينة يافا، حيث نشرت برقية من الباب العالي إلى رئيس بلدية غزة، الحاج سعيد الشوا، مستفسرةً عن واقعة ضرب مدينة رفح، بالقنابل من قبل باخرة إيطالية.
وأشرف المجلس المذكور برئاسة الشوا، على إنشاء أول مستشفى بلدي في مدينة غزة، فوق تل السكن، والمعروف حاليًا بمبنى البلدية الرئيس (مبنى الإدارة)، وذلك في نفس سنة إنشاء المستشفى المعمداني القريب جدًا منه، والذي أنشأته مؤسسة تبشيرية سنة 1904.
وشيد المجلس عدة جوامع ومساجد ومدارس في مدينة غزة، وعمل على ترميم الجامع الكبير، وأدخل المحراث الحديث للمدينة، وساعد أهالي غزة في قضاء حوائجهم.
الاحتلال البريطاني
في عام 1918، اختارت حكومة الانتداب البريطاني الحاج محمود سليمان أبو خضرة، رئيسًا للمجلس البلدي لمدينة غزة، وتولى بعد الاحتلال رئاسة البلدية بأمر من الحاكم العسكري لمدة 3 سنوات؛ وذلك وفق سجلات البلدية والجريدة الرسمية في حينه "الوقائع الفلسطينية".
وبعد مرور 6 سنوات على رئاسة أبو خضرة لمجلس غزة البلدي، تم تعيين عضو المجلس عمر الصوراني رئيسًا بالنيابة لبلدية غزة عام 1924، وذلك في أوائل عهد الانتداب البريطاني.
وفي بداية عام 1928، قام اللواء الجنوبي بإجراء تعديل على مجلس البلدية؛ وفي نهاية العام ذاته، تم تشكيل المجلس البلدي بالانتخاب لأول مرة، وأصبح السيد فهمي الحسيني رئيسًا للبلدية، ومعه 11 عضوًا، وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها تعيين رئيس بلدية بالانتخاب.
وعمل المجلس على بناء مدينة غزة الجديدة بإنشاء مشروع المياه، وافتتاح مدرسة البلدية للإناث، وإتمام إنشاء المستشفى البلدي، إضافة إلى إنشاء منتزه بلدية غزة، وإنشاء دار جديدة للبلدية في شارع عمر المختار، وبناء سوق كبير ومسلخ للمواطنين.
وكانت ميزانية البلدية في عام 1929 تقدر بنحو 7129 جنيهاً فلسطينياً من الواردات، أما مصروفاتها فبلغت 7265 جنيهاً فلسطينياً.
واستمر هذا المجلس بأعماله والتي كان من أبرزها: توسيع شارع جمال باشا والذي أطلق عليه لأول مرة في عهد هذا المجلس اسم شارع عمر المختار تخليدًا لذكرى الثائر الشهيد الليبي عمر المختار، وقد تم ذلك على الرغم من احتجاج قنصل إيطاليا بالقدس آنذاك.
كما قام المجلس ببناء دار البلدية في نفس الشارع وإنشاء حديقة غزة (المنتزه) في حي الرمال وإضاءة المدينة بالكهرباء وإنشاء خزان للمياه في حي بني عامر سنة 1934 سعته 3000 مترًا مكعبًا.
حملة انتخابية
وفي يونيو عام 1934، بدأت حملة انتخابية في المدينة لتشكيل مجلس بلدي منتخب من الشعب، حيث نشر المرشحون برامجهم الانتخابية، وتم على إثرها تشكيل المجلس البلدي المنتخب في 21 أغسطس عام 1934.
واتفق المجلس عام 1938، على إضاءة المدينة بالكهرباء مع شركة كهرباء فلسطين.
وخرجت مدينة غزة، بعد الحرب العالمية الأولى، مهلهلة متداعية البناء، فقام رئيس البلدية بشق الطرق وتوسيعها، ومن هذه الشوارع: شارع الإمام الشافعي – شارع السرايا – شارع جمال باشا– وشارع فراس.
وقسم الأراضي المحيطة بمدينة غزة، التي كانت كثبان رملية وباعها بأسعار زهيدة للمواطنين العرب حتى يمنع الاحتلال البريطاني من منحها للمستوطنين القادمين من الدول الأخرى المدعومين من "الوكالة الصهيونية".
وعين الحاج عادل الشوا رئيسًا لبلدية غزة في 28 يناير 1939، خلفه رشدي الشوا في 29 يناير 1939 رئيسًا للبلدية معينًا من المندوب السامي البريطاني؛ إثر اعتقال السيد فهمي الحسيني ونفيه إلى صرفند.
وصدر قرار حكومي في 10 يناير 1944، بإضافة مجموعة من الأسماء للمجلس البلدي.
وأصدر المندوب السامي البريطاني في نوفمبر 1945، قرارًا بتخفيض عدد أعضاء المجلس البلدي من 12 عضوًا إلى 10 أعضاء فقط، وتم تشكيل المجلس البلدي برئاسة رشدي الشوا.
وفي فبراير 1946، جرت آخر انتخابات بلدية في عهد الانتداب البريطاني احتدمت فيها المنافسة الانتخابية بين العديد من الأعضاء.
واستمر المجلس البلدي في تقديم خدماته بالمدينة حتى قيام حرب 1948، ودخول القوات المصرية مدينة غزة.
الإدارة المصرية
في 21 يونيو 1951، صدر قرار من الحاكم المصري العام لقطاع غزة، بحل مجلس بلدية غزة، وذلك في أعقاب استقالة خمسة من أعضائه وعدم توفر النصاب القانوني.
وتعاقب في عهد الإدارة المصرية، على رئاسة البلدية في الفترة ما بين 1951 وحتى 1975، عبد الرزاق قليبو، وعمر صوان، وراغب العلمي، ورشاد الشوا.
فترة الاحتلال الإسرائيلي 1956:
وفي 24 نوفمبر 1956، أي في فترة الإحتلال الإسرائيلي للقطاع، في أعقاب العدوان الثلاثي جرى تشكيل جديد لمجلس بلدية غزة.
وأعيد في 23 سبتمبر 1957، تشكيل المجلس البلدية لمدينة غزة، بقرار أصدره الحاكم العام، وتسبب اشتداد الحصار، في استنفاذ معظم الموارد التي تعتمد عليها البلدية في تقديم خدماتها، وأصبح ذلك يهدد بشل هذه المؤسسة العملاقة وتوقف خدماتها بشكل كامل.
المجالس بعد 1967
وجاء حرب حزيران عام 1967، ووقعت مدينة غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بينما بقي تشكيل مجلسها البلدي على ما هو عليه حتى عام 1970، فأقيل المجلس بقرار الاحتلال وذلك في أعقاب موقفه الرافض لربط مدينة غزة بالتيار الكهربائي من شركة الكهرباء الإسرائيلية.
وعين ضابط ركن الداخلية الإسرائيلية، أوري ججيك، قائمًا بأعمال رئيس البلدية فأدارها بصلاحيات منحها له الحاكم الإسرائيلي العام.
وفي عام 1972، أدرك سكان غزة أن مصلحتهم ومصلحة القضية الوطنية تقتضي أن يدير شؤون بلدية غزة مجلس بلدي عربي يتخذ من القرارات وتنفيذ المشاريع ما يراه مناسبًا، ووقع أكثر من 10 آلاف مواطن على عريضة ليتسلم الحاج رشاد الشوا إدارة شؤون البلدية والمدنية.
ونزولاً عند رغبة الموقعين على العريضة والتي تشكل رغبة أكبر فئات المواطنين، وافق الشوا، تسلم مسؤولية إدارة البلدية وشكل مجلسًا بلديًا.
أحياء من المدن
وأثار قرار الحاكم العام بضم معسكر الشاطئ إلى منطقة صلاحيات بلدية غزة، غضب السكان ورفض المجلس البلدي لاعتباره موقفًا سياسيًا يستهدف محاولة "حل" مشكلة اللاجئين اسمًا فقط.
ورأى المجلس أن الخطوة تهدف لمدمج مخيمات كل مدينة لتصبح بمثابة أحياء من هذه المدن، وهو ما تمكنت السلطات من تنفيذه في رفح وخان يونس ودير البلح وفشلت في تنفيذه في مدينة غزة، وعلى إثر ذلك أصدر الحاكم العام أمرًا بإقالة المجلس البلدي.
وعاد إلى البلدية ضابط ركن الداخلية، أوري جيجك، قائمًا بأعمال رئيس البلدية للمرة الثانية، وتجددت معاناة سكان غزة من الإهمال وانعدام الخدمات الحقيقية والزيادات في الضرائب والرسوم.
وارتفع من جديد صوت مدينة غزة، بضرورة أن يدير المدينة مجلس بلدي عربي يحظى بموافقة وتأييد السكان، وانتهى الأمر بتشكيل المجلس البلدي في 22 أكتوبر 1975.
واتخذ هذا المجلس العديد من المواقف المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى إقالته مع رئيس البلدية في 9 يوليو 1982، ليعود ضابط ركن الداخلية الإسرائيلية أوري جيجيك، مرة أخرى لإدارة البلدية.
واستمر هذا الوضع خلال فترة الانتفاضة وحتى قدوم السلطة الفلسطينية في مايو 1994.
عهد السلطة
وبقدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، أصدر الرئيس الراحل ياسر عرفات، قرارًا بتشكيل مجلس بلدي جديد لإدارة شؤون البلدية، حيث كلف السيد عون سعدي الشوا، بتشكيل مجلس بلدي للمدينة يتناسب والمصلحة العامة ومتطلبات المدينة العاجلة.
وشكل الشوا المجلس بتاريخ 26/7/1994، وهو يعتبر أول مجلس بلدي في ظل السلطة والذي عُدَّ شكل لمواجهة الأحوال المتردية في البنية التحتية والخدمات.
ودعم المجلس الثقافة والرياضة والعمران، واستطاع جلب تمويل لعدد كبير من المشاريع المختلفة التي تعنى بتطوير المكان والإنسان من خلال علاقاته الشخصية مع الدول المانحة.
وأنشأ شبكة متكاملة لتصريف مياه الأمطار، كما أنشأ مشروع تصريف المياه لبركة "الشيخ رضوان" في غزة، وتوسيع الطرق، وسمح بهدم الأجزاء المتداخلة مع الشارع الرئيسي، وأكمل مشروع مبنى المسلخ الآلي الجديد.
وأبرمت البلدية العديد من اتفاقيات التوأمة والتعاون مع نخبة من المدن الأوروبية والعربية وهي: مدينة برشلونة الأسبانية ودنكرك الفرنسية وتورينو الإيطالية وكشكايش البرتغالية وترومسو النرويجية وأغادير المغربية ومدينة دبي ومدينة صيدا في لبنان.
مشاريع تطويرية
وفي مارس 2008 تسلم المهندس رفيق مكي، رئاسة بلدية غزة؛ وشهدت المدينة في عهده طفرة في المشاريع التطويرية، والخدمات المقدمة إلى المواطنين، رغم اشتداد الحصار وتفاقم الأزمات في قطاع غزة.
وتمكن المجلس البلدي من تفكيك الأزمة التي كانت تعصف بكل مرافق البلدية وخدماتها خلال العامين الأولين، وخطى خطوات ثابتة وفق استراتيجية مدروسة نحو تطوير خدمات البلدية والنهوض بالمدينة من كافة النواحي، في محاولة للوصول إلى مصاف البلديات المتقدمة.
وعملت إدارات البلدية على وضع خطط تفصيلية وأخرى تطويرية في صيانة الطرق وافتتاحها بفعل الحصار مثل شارع النصر وشارع البحر (الرشيد)، وتطوير شارع الشهداء وسط المدينة، إضافة إلى تطوير شارع الرياض (النزاز) في حي الشجاعية، وشارع الشمعة في حي الزيتون.
وأشرف المجلس البلدي على حفر 23 بئرًا للمياه في المدينة، للتغلب على مشكلة نقص المياه، ليرتفع بذلك عدد الآبار إلى 65 بئرًا يعمل في ذلك الوقت، وأعادت تأهيل شبكات الصرف الصحي ومصافي الأمطار وتأهيلها وسحب الحفر الامتصاصية والسيطرة على طفح المياه العادمة.
حصار وعدوان
وفي إبريل 2014، تم تعيين المهندس نزار هاشم حجازي رئيسًا لبلدية غزة ومجلسها البلدي من وزارة الحكم المحلي، في وقت تعاني فيه البلدية أزمة كبيرة نتيجة للحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة على قطاع غزة.
وتسبب اشتداد الحصار، في استنفاذ معظم الموارد التي تعتمد عليها البلدية في تقديم خدماتها، وأصبح ذلك يهدد بشل هذه المؤسسة العملاقة وتوقف خدماتها بشكل كامل.
وشنّت "إسرائيل" عدوانًا على قطاع غزة، في السابع من يوليو 2014، أسفرت عن هدم 12 ألف وحدة سكنية، بشكل كلي.
وبذلت طواقم البلدية في أيام العدوان، جهودًا مضنية على مدار الساعة، في محاولة لإيصال المياه إلى منازل المواطنين بعد استهداف قوات جيش الاحتلال مصادر المياه، بشكل مباشر.
وتشارك البلدية اليوم في عملية إعادة إعمار المدينة، وخاصة حي الشجاعية، من خلال مجموعة من المشاريع المتنوعة، حيث دمرت الغارات الإسرائيلية منازل مئات المواطنين في مدينة غزة، بشكل كامل، وحولتها إلى ركام.
ومراعاة لأوضاع المواطنين المتضررين من العدوان الإسرائيلي، أقر المجلس البلدي مجموعة من التسهيلات لأصحاب المنازل المدمرة تتعلق بتقديم مجموعة من التسهيلات التنظيمية "الفنية" وتقديم اعفاءات وتخفيضات على رسوم البناء.
ويضع المجلس البلدي نصب عينيه تحسين الخدمات المقدمة لمواطني مدينة غزة، وتطويرها، وفق خطة منهجية ومدروسة أعدتها البلدية لذلك.






