تاريخ النشر: 2017-02-09 10:31:45

كيف تخسر الإنتخابات دون أن تخوضها ؟؟

كيف تخسر الإنتخابات دون أن تخوضها ؟؟
  تتنويه هام: هذه المقالة كُتبت بتاريخ 2016/11/5، بعدما أقرّت محكمة العدل العليا بتأجيل الانتخابات المحلية، وكان مقرراً أن تنشر في مجلّة "بنت البلد" فور صدورها في الشهر الّذي يليه، إلّا أن ظروفاً حالت دون صدورها، لهذا، أنشر هذه المقالة الآن بعدما تحدد موعد الانتخابات المحلية من جديد..  كتب عيسى رشماوي: بقرارٍ غريب، من محكمـــــةٍ عُليــا، فُرض على الشعب الفلسطيني القاطن في الضفة الغربية وقطاع غزّة "استيعاب" المجالس البلدية الحالية لفترةٍ إضافية من الزمن، حُددت بستة أشهرٍ، يعلم الله وحدُه متى ستنتهي. جاء هذا القرار، بعد إذابة جميع كوادر الحركة الوطنية، وجميع مشايخ وكبار الحمائل الشعبية، في بوتقةِ تشكيل القوائم الانتخابية، تّلك التي "حُسمت" بذكاء خارق من حركة فتح في العديد من المجالس، عن طريق تشكيل ما يُسمّى بقوائم الوفاق الوطني، أو أخرى أجبرت على المنافسة مع قوائم أخرى إما من مستقلّين أو من وجهاء المناطق الفلسطينية. سنناقش في ما هو قادم، ما جرى في بلدتنا العزيزة "بيت ساحور" أولاً، ومن ثمّ ما حصل ويحصل على مستوى الوطن، وكيف ساهم كله، برأيي الشخصي، بتقزيـــــم دور وصورة فصائل العمل الوطني، بطريقةٍ أأسف شخصياً عليها، وبتوقيت أعتقد أنّه كان يمثّل فُرصةً لهذه الفصائل لِتعيد نفسها إلى الواجهة بالمطلق، فلم تُحسن اسغلاله! إن الإصرار والتركيز الّذي سيطر على حركة فتح "بأقطابها" لخوض انتخابات بقائمةٍ "توافقية" مع كافة الأحزاب والفصائل الأخرى، يدل بِنظري على حنكة، فَمِن جهة، هذا التكتيك في بيت ساحور وفي العديد من المناطق الأخرى أكّد على أن محاولات السيطرة على كل شيء من هذه الحركة ما هي إلا خُرافات، فها هي تُحاول جُهدها "كما ظهر" بان تتحالف مع باقي الفصائل لتشكيل مجالس بلدية من كافة الأطياف. ومن جِهةٍ أخرى، فإنه بات من الواضح جداً، الضعف والانقسام، وفي بعض المناطق "التفتت"، داخل حركة فتح، الأمر الّذي لا يزال حتّى اللحظة ينعكس للمُتابع في مواجهات المخيّمات، خاصّة في مناطق الشمال من الضفّة المحتلّة، أو في منافسات رجالات الأقاليم بعضهم مع البعض على حقيقة من هو "القائد" ومن هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، والّتي في مرّات عديدة أنتجت قوائم مُتعددة للحركة بأقطاب مختلفة خلال الإنتخابات، آخرها وأقربها ما حدث في انتخابات المجالس البلدية ببيت ساحور 2012، وبهذه التحالفات التوافقية التي جرت مؤخراً، أكدت الحركة ضمان سيطرتها لـ٤ سنواتٍ أخرى على الأقل دون مخاطرة. أمّا بما يخص فصائل "اليسار" الفلسطيني، الّتي أصبح تأثيرها سياسياً وشعبوياً في حالة يُرثى لها، فهي، وللأسف، حاولت خلال مرحلة تشكيل القوائم قبل تأجيل الانتخابات، أن تتناسى منظورها التقدّمي، وتستبدله بآخر أقرب ما يكون إلى الرجعية السياسية، بل ولا أخشى بأن أقول "طفولة" سياسية عصفت وستعصف بجمهورٍ كبير من قاعدتها الصغيرة. فالطفولة، هي تحقيق الهدف دون مسؤولية ودون أدنى اكتراثٍ للعواقب، وهذا بالضّبط ما عاشه اليسار، فهو ركّز بأن يعود إلى "سُدّة حكم" المجلس البلدي بأقصــر وأسهل الطرق، وهي بأن يُسمّي مرشّحيه في قائمة توافقية مع اليمين (فتح)، بعودته إلى عنصرين اثنين لا ثالث لهما، الأول هو موقع المرشّح في الحزب، والثاني هو تأثيره العشائري، وهذا ليس من أجل أصوات الإنتخابات، فَهُم كانوا يطمحون إلى تزكية قائمتهم كونها الوحيدة الّتي سيتم تشكيلها، ولكن الاهتمام بهذا التأثير كان من أجل "إرضاء" جميع الحمائل نسبياً، لكي تكون هذه القائمة "مباركة" من الجميع. ما لا أستسيغه فيما حدث، هو ان الفصائل وضعت نفسها في موقف حرجٍ جداً، فبعد تفانيها في تشكيل قائمة "التوافق" هذه، صُدمت بقوائم أخرى تم تسجيلها للمنافسة، وهذا كان أول دليل دامغ بأن هذه الفصائل لم تَعد الآمر النّاهي "كما كانت"، وهنا انتقصت من نفسها للمرّة الأولى، وهذا ما حذّرت منهُ شخصياً في اجتماعٍ سابق ناقش فكرة "التوافق" في البلدة. وما لا أستسيغه أيضاً، هو ذلك الهيجان الّذي أصاب بعض قيادات الفصائل اليسارية، الّتي وعندما لمحت طرف كرسي رئاسة المجلس البلدي، أعلنت الحرب على الجميع للوصول إليه أولاً، ما أدّى إلى انقسام في اليسار نفسه مرّة أخرى، وتسجيل قائمة جديدة تحمل الصبغة اليسارية بعيداً عن "التوافق". وآخر ما لم أقبله فيما حدث، هو محاولة الجميع، يساراً ويميناً، تبرير ما حدث بأنّه عملية "إنقاذ" لبلدة بيت ساحور، وبأنه كان (أفضل السيّئات) "عبارة أكرهها منذ أوسلو ومدريد"، باعتبار أن نظام "سانت لوغي" العقيم سيعود لتفتيت البلدة مرّة أخرى كما حصل في المرّة السابقة. وسأسجّل رأيي في هذا الموضوع للمرّة الأولى هنا: إن "الانقسام" الّذي حدث بين فصائل وحمائل بيت ساحور في الانتخابات الماضية، والّذي بالمناسبة أنتج مجلساً بلدياً جيدّاً عَمل بكد وجد طوال السنوات الماضية، لهو أفضـــل بألف مرّة من حالة "الانقسام" الّتي ستشهدها الفصائل في المرحلة القادمة، بين قيادتها وقاعدتها، لأن المعظم الساحوري كما كان مُلاحظاً، محزّبين ومستقلين، رفضوا أن يكون صوتهم بقيمة "صفر"، بل وأكثر من هذا، أن يُجيّر هذا الصوت لمن تجده الفصائل أفضل، ومن تجده الحمائل أشهر!! وبالعودة في النهاية إلى المشهد على مستوى الوطن، فسألّخصه بما يلي: محكمة في غزّة، أقرّت بقبول طعون في قوائم محسوبة على "فتح"، فأسقطتها، وبالمقابل وبعد ساعة واحدة من الزمن، أقرّت محكمة العدل العليا في رام الله "إسقاط" الانتخابات، متذرّعةً بعدم "قانونية" محاكم غزة، هي ذاتها الّتي تقدّمت لها حركة فتح بقوائمها لقبولها، فلماذا لم تكن قانونية من البداية؟؟ وعليه، فكما تدنّت قيمة فصائل العمل الوطني بطريقة تشكيلها لمجلس بلدي صغير، تدنّت مرة أخرى وبطريقةٍ أشنع على مستوى الوطن، بقرارين لم يحسبا حساباً لأحد، إلّا أن الأوّل تقررّ لصالح حماس، والثاني تقرّر من أجل فتح، والنتيجة لا زلتم ترونها، وستُصبح محاكم غزة قانونية بشكل مفاجئ ريثما تتم "المصالحة"، أو تتفق "المصالح"، وعجبــــــــي !!