تاريخ النشر: 2017-07-06 09:03:21

كيف ترى قيادتي؟

كيف ترى قيادتي؟
شبكة وتر- كتب ابراهيم ملحم- ليس للسؤال العنوان أية علاقة بسائقي الشركات، والمؤسسات، أو السيارات ذات اللوحات الحمراء أو حتى بـ"شوفيرية النعوش"الذين يخضعون لاول مرة، في زمن الهواتف الذكية، و"صحافة المواطن"، للتصوير، والتشيير، والتجريس، لكل انزياح حاد عن الصراط المستقيم، المرسوم على خطوط الموت السريع، بعد ازدياد أخطائهم القاتلة، والتي كان آخرها مصرع عائلة كاملة، إضافة الى سائق "الكرافيل"، في حادثة، فجرت تباريح الحزن والالم لهذا الفقد الجلل، وأثارت المزيد من الخوف، والقلق لدى المواطنين، مثلما أسالت الكثير من الحبر على صفحات الصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى باتت الهواتف الذكية، بمثابة رادارات شرطية، لكبح جماح المتهورين، وفرملة اندفاعة المستهترين بارواح المواطنين .         "السؤال العنوان" يصلح لان يرتسم على وجوه السياسيين، من قادة جميع الفصائل والاحزاب حتى لا نقول على خلفياتهم، على اختلاف توجهاتهم، وانحيازاتهم، وأجنداتهم، ما ظهر منها وما بطن، في وطن تحاصرة الازمات، والانقسامات، والاختناقات المرورية، على كل خطوط الاتصال، والتواصل السياسي الداخلي، والخارجي، في واحدة من أكثر المنعطفات خطورة، سيؤدي فيه أي تجاوز حاد، أو انزياح عن الطريق السريع، أو تردد في اتخاذ القرار، الى الارتطام بالحائط، وما سيترتب على هذا الارتطام من فواجع لن تستثني أحداً من ركاب الحافلة.         ثمة قواسم مشتركة كبيرة بين قيادة السيارات، أو الحافلات، وقيادة الشعوب، أو الامم ، فقوانين السير على الطرق، وما تحمله من معرفة، وذكاء، وفهم عميق لاشارات المرور التي تحكم ايقاع الحركة للسائقين على الطرقات، هي ذاتها التي تحكم أداءالقادة، والمسؤولين في إدارة شؤون البلاد والعباد، مع اختلاف وحيد هو، أن الحافلة التي يتنازع السياسيون على قيادتها هي بحجم الوطن.         ليس هذا فحسب بل ستجد قواسم مشتركة أخرى في الصفات وفي الجينات، بين سائقي "الكرفيل" و"الفورد" و"الشاتل" وغيرها من الطرز القديمة والحديثة، وبين ساسة الاوطان والشعوب من القادة والمسؤولين، إن من حيث التهور، والسرعة الزائدة ، وانعدام الكفاءة، وغياب المهارة، والقيادة بدون تأمين أو ترخيص وبسيارات مشطوبة سبق وأن أنزلت عن الشارع ، وخرجت من الخدمة، أو من حيث التفحيط في الشوارع المكتظة بالسيارات وبالمارة وما قد ينجم عن ذلك من كوارث.       في تجارب القيادة للامم والشعوب المكتوية بنار "الربيع" المشتعل حولنا منذ سنوات، ما يكفي من الدروس، والعبر، والعظات، لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فالتردد في اتخاذ القرارات، والارتباك عند المنعطفات، والتفحيط السياسي في جميع الاتجاهات، جلب كل شياطين الارض الى الطرقات، حتى استحالت الاوطان الى حواضر، ومقاطعات، وأزقة وحارات تسيطر عليها ميليشيات الطوائف، والعصابات .         ففي زمن الجيل الرابع من الحروب فإن أصحاب الاجندات، والتوجهات، والانحيازات، باتوا اليوم أكثر خطراً على الاوطان من أعدائها، ففواتير التضحيات الجسام التي قدمتها الشعوب لنيل استقلالها من الاستعمار، في القرن العشرين، أقل بكثير من الكُلف التي دفعتها تلك الشعوب ولا زالت، جراء تنازع الاحزاب، والتيارات، والاجندات على قيادتها، في القرن الحادي والعشرين، فسوريا باتت اليوم تحت سكاكين التقسيم ، وليبيا غدت في مهب رياح القبلية والعصبية والاجندات الخارجية، فقد خسر السوريون سوريا في طريقهم لتحريرها من السوريين، وخسر اليمنيون اليمن في طريق تحريرها من اليمنيين، حتى قطر باتت محاصرة من الخليجيين، مثلما يحارب مصر المصريون؛ لا الانجليز ولا الفرنسيين، وما زال الحبل على الرقاب في الاوطان المتنازع عليها من سكانها الاصليين .         بصراحة ووضوح شديدين فإننا في فلسطين وبعد أن عيل صبرنا من متاهة المصالحة وإنهاء الانقسام الطويل، لا نملك أية بوليصة تأمين، من مخاطر انتقال الحوادث الناجمة عن التفحيط السياسي، لاصحاب الاجندات، والتوجهات، في منطقة مكتظة بحركة المرور، لا تحتمل السرعة، ولا التهور ولا الخروج بتجاوز حاد عن الطابور.       وإذا ما سمح بالمزيد من المصارحة، فإن بوليصة التأمين الوحيدة المتوفرة لدينا حتى تتصافى، وتتصافح القلوب في الوطن المنكوب بالانقسامات، والاخوة الاعداء، وتعدد الاجندات ، هي الحفاظ على سائق الحافلة الوحيد، ذي العقل الرشيد، بين جميع السائقين المتهورين، بما حباه الله من حنكة، وحكمة، وأناة، وطول بال، كسائق قديم، تجاوز الثمانين، يخلو سجله من الحوادث القاتلة، ويستحق تجديد رخصة القيادة لدية حتى نجتاز الكيلو متر الاخير في طريق محفوف بالضباب والمنعطفات، ويضيق فيه مدى الرؤية الافقية، فجميع السائقين المنتظرين في المحطة، بحاجة الى إعادة تأهيل، والخضوع لدورات في فنون التريث والصبر الجميل . فبامكانك أن توجه لعجوز السياسة ما شئت من انتقادات في أدائه الداخلي، لكنك تستطيع أن تعتمد عليه في مواجهة أي مس بالحقوق الوطنية في زمن باتت فيه اسرائيل "دولة سُنيّة" !         فلا يكفي أن يقول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد اسماعيل هنية في خطابه مساء اليوم، بأن لا وطن للفلسطينيين غير فلسطين ،إذا لم يقترن هذا القول بالعمل الجاد، بالتنازل عن الحكم في القطاع المثقل بالهموم، والازمات، والتحديات، لصالح حكومة الوفاق ، فالشعوب التي ذهبت من حولنا أيادي سبأ، أصبحت لها أوطان غير أوطانها، بعد أن لم تجد غير البحر ملاذاً للهروب من تنازع الاجندات بين القوى المتصارعة على أرضها؛ فمواجهة مخاطر "صفقة القرن"إنما يكون بوحدة الوطن، لا بانقسامه وتعدد أجنداته.         أخشى ما أخشاه؛ إذا مابقيت الاوضاع على حالها، والجروح على تقرحاتها، أن "عيدروس" الذي ظهر في عدن، وقطع الطريق على انقاذ اليمن، سيظهر مثله الكثيرون في غزة، وجنين، ورام الله، والخليل، ليقطعوا بتنازعهم، وانقسامهم، وتعدد أجنداتهم، وتوجهاتهم الطريق على إنقاذ فلسطين!