شبكة وتر- "ماذا سنكتب في ذكرى المدينة القديمة والحزن أكبر من كل الكلمات؟ ضعوا أيديكم على صدوركم، انظروا بالقلب واصغوا به، ستشاهدونها مثلما أفعل وهي تقف آخر دقيقة حداد على أبنائها ومصائرهم الضائعة من بين الدمع ستبصرون الموصل القديمة وهي تتنفس الحزن للمرة الاخيرة، تتلفت تبحث عن ظل جدران الأمس، عن مئذنة مائلة تجتذب الافئدة، عن صوت كركرات الصغار وهم يلعبون في عوجاتها المتعرجة، عن ظل جدران القرون الطيبة، عن أشجار الباحات المرمرية المعمرة، عن المرأة التي كانت تنقي الأرز تحت شجرة الليمون وتصغي لصخب العصافير وهي تغني (يردلي، يردلي سمرة قتلتيني).
المدن العتيقة التي عاشت مئات السنين تأخذ قلوبنا و ذاكرتنا وتاريخنا معها حين ترحل. و "أم قلوبنا" في آخر تموز لها، في آخر صيف، آخر حرب وآخر حصار، استعادت، و دمع من دم، و بارود يجري على بقايا مبانيها البهية وصوت باعة السوس والحلوى في شارع النجفي وباب الطوب و باب السراي وباب جديد.
تذكرت أبطالها المغمورين، العجائز السذج والأطفال الاشقياء الذين يخيفون المارة في قنطرة الجان.
تأملت بحزن مبانيها وخاناتها وقناطرها المدمرة.
واست حبات تراب طردت من مخابئ سكنتها منذ عشرات القرون وضاعت في الفضاء.
يخيل لي أن روح ام الربيعين القديمة التي عرفناها و ألفنا و عشقنا، طارت مع ذلك الغبار العتيق، وحلقت بعيدا برفقة تلك الأرواح البريئة التي قتلت بلا ذنب."