السبت 18، مايو 2024
18º
منذ 9 سنوات

فرقة "بالعكس": استعادة زمن الانتفاضة الأولى

حجم الخط

شبكة وتر - رام الله - ربما نتوقّف لحظةً عند مشاهدة عنوان "12 ريختر" لعمل فني ما، إلا أننا قد نفهم كيف أن الحلم بزلزال ـ بغض النظر عما قد ينتج عنه ـ هو أمر خطر على بال مجموعة شباب فلسطينيين فوضعوه عنواناً لتجربتهم الموسيقية الأولى. ذلك أنّ الحالة التي تمرّ بها فلسطين المحتلة وتعقيداتها، الاحتلال والخيبات المتكرّرة، التخبّط والفشل السياسي والمؤسساتي والاجتماعي الذي نتج عن اتفاقية أوسلو وتبعاتها.. الخ؛ كل ذلك سيدفع حتماً إلى التفكير بما هو حتّى أكثر من 12 درجة على مقياس ريختر. "بالعكس" فرقة موسيقية من ستة شبان هم: كرمل غول (صوت)، فارس شوملي (ميلوديكا وفلوت)، كمال حبش (غيتار)، خليل ترجمان (باص)، خليل أبو عين (درامز)، وغسان صوالحي (عود). كانوا يلتقون لتعلّم الموسيقى وقتل الملل، قبل أن يؤسسوا فرقتهم في العام 2011. الشباب الذين جاؤوا من خلفيات موسيقية واجتماعية مختلفة، اجتمعوا على هدف إعادة الأغنية السياسية إلى الواجهة مرة أخرى، وتقديمها بشكلٍ مختلفٍ عن الأغنية السياسية المباشرة التي ظهرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. اليوم، يستعدون لإطلاق الألبوم الأول لفرقتهم بعنوان "12 ريختر".

العنوان "الراديكالي" الذي طُبع على الغلاف، جاء مقدمة لثماني أغانٍ جريئة، وُلدت في ظروف سياسية واجتماعية وثقافية قاهرة. يبدأ الألبوم بأغنية "يا للعجب" التي تُقدّم بقالبٍ مسرحي يطغى على الغناء، في محاولة لوضع كادر لـ"ناس بتبكي من ولد لولد، وناس بتحرق في البلد"، وهي إشارة واضحة إلى الفروق الطبقية التي تمضخت عنها فلسطين في العقد الأخير. الضجر والتشاؤم والاستسلام، كلها ثيمات حاضرة بقوة في الأسطوانة. يبدو ذلك جلياً في أغنية "زلزال"، حيث لا حلول وسط: "نفسي بزلزال 12 رختر.. يا بتزبطْ يا بتفرطْ، يا بتركب يا بتخرب". الألبوم المليء بالتناقضات والإسقاطات السياسية غير المباشرة؛ جعل من السهل إسقاط الوضع السياسي على أغنية رومانسية، وخَلْطَ الشخصي بالعام، كما في أغنية "عاصفة" التي تحكي عن الأنخاب الجديدة والوعود والأوهام. أفراد الفرقة لم ينسوا أيضا أن يلقوا الـ"تحية" مخاطبين مدينتهم "رام الله يا رام الله.. شو بعيدة عن الشوارع مع أنك على الرصيف.. يا مدينة شو حزينة غطوكي بالميكاب، من برا الله الله.. ومن جوا اكتئاب". ورغم هذا الاكتئاب إلا أن المقاومة تحضر بقوة، كما في أغنية "صبية" التي تحكي عن "صبية مش عارفة كيف تلف المقليعة وتصيب منيح". صبية لا "تعرف أوسلو واتفاقية باريس"، كما لا "تعرف البنوك ولا الرئيس". هي تعرف فقط أن جندياً ما زال يَسدّ طريقها. يسترجع الألبوم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ويتحسّر عليها، كما في أغنية "علم" التي تقول: "مدفون في عيون وجيوب وقلوب.. كان العلم ممنوع، كان العلم مرفوع ع سلوك الكهربا بالسر، والليل يشهد للعلم". شباب الفرقة الذين ولد معظمهم أواخر الثمانينات لم يعايشوا الانتفاضة الفلسطينية الأولى، إلا أنهم يتحسرون عليها ويخشون أن الوطن لم "يبقَ منه سوى الأفكار".

موسيقياً، الألبوم نتاج جهد جماعي من كافة أفراد الفرقة في التلحين والتوزيع، حيث نجد أنماطاً موسيقية مختلفة، ما بين الريغي والروك والبَنْك والموسيقى الشرقية. اعتمد العمل الموسيقي على الألحان البسيطة والتراكيب الإيقاعية التقليدية لتلك الأنماط. وقد لعب هذا التنوّع لصالح الألبوم من ناحية عدم وقوعه في الرتابة، لكنه حرم في الوقت ذاته الفرقة من تشكيل هويتها الموسيقية الخاصة، خصوصاً في تجربتها الأولى. ومن جانب التوزيع الموسيقي، نلمس بعض العشوائية، مثلاً تتناوب في أغنية واحدة أربعة ألحانٍ لأغانٍ أجنبية وعربية قديمة، كما حصل في أغنية "عاصفة"، بالإضافة إلى المجازفة في إدخال عناصر موسيقية مكثفة، ومقاطع أرشيفية لم تكن موفقة، بل كادت أن توقع التوزيع في فخ الفذلكة والركاكة الموسيقية، كما حصل مع أغنية "صبية". الصوت الغنائي شكّل عنصر قوة ودعم؛ صوت فريد وقوي تتمتع به مغنية الفرقة كرمل غول. كما أن الـ"كورَس" والأداء الجماعي للفرقة، رغم ضعفه وارتباكه في بعض المطارح القليلة؛ إلا أنه كان موفّقاً في إضافة طاقة دافعة دعمت الأغاني في كثير من المقاطع. أما اختيار كلمات الأغاني فينمُّ عن نية صريحة في المضي عكس التيار؛ كلمات شارك الفرقة في كتابتها كل من أمل كعوش ووفا حوراني وعامر شوملي، وغَرَفت من الحياة بذكاء واشتبكت مع الواقع، فجعلت من الألبوم سجلاً توثيقياً صادقاً عن الحالة الفلسطينية الراهنة. ألبوم "12 ريختر" تجربة لا تسمح لنا بإطلاق حكم موسيقي نهائي عليها، وإنما تفرض علينا النظر إليها من جميع جوانبها وطروحاتها المنطلقة من وجدان شبابٍ مشاغب، يمتلك الجرأة والوعي، ويدعو صراحةً إلى استعادة المقاومة بكافة أشكالها، وسحب البساط من تحت أرجل السياسيين الذين فتكوا بمشروع التحرر الوطني.

https://www.facebook.com/Bil3aX/