السبت 20، إبريل 2024
18º
منذ 5 سنوات

يومٌ في حياة امرأةٍ قوية

يومٌ في حياة امرأةٍ قوية
حجم الخط

شبكة وتر-أفقت.....!

يبدو أنها ساعةٌ مبكرة من الصباح حتى أن الأجواء في غرفة المستشفى هادئةٌ لهذا الحد.. أدرت وجهي للناحية اليسرى فوجدت أمي غافيةً على الكرسي المجاور.. كانت ليلة الأمس مرهقةً للجميع.. كانت أول مرةٍ في حياتي أتعرض لهذه الألآم المبرحة.. 

أول مرةٍ لا تكفيني قبضة يد أمي على يدي لأستمد بعض الثبات.. كنت بحاجةٍ لجبلٍ حنون يلين ليحتضنني بكل قوة حتى أقاوم آلام المخاض الفظيعة.. كان هو فقط الوحيد القادر على ذلك.. كان جبلي اللين.. رجلٌ بقلب أم . حين حَضَرت للمستشفى طلبت تخديراً يهديء أوجاعي فكانت الإجابة بأن الوقت لازال مبكراً لذلك وبأنني بحاجة للمشي أكثر علّ الولادة الطبيعية تتيسر لكن آلام الطلق المتواترة كانت أقوى من احتمالي..

كنت عاجزةً عن الوقوف، أتلوى بين دقيقةٍ وأخرى.. ساندني حتى تشجعت وقمت عن سرير غرفة الطواريء.. تأبط ذراعي وسار معي في ممر المستشفى جيئة وذهاباً.. وكلما عاودني الألم تشبثت به إلى أن أهدأ ثم يعاود تشجيعي لأكمل المسير..

 

إلى أن قررت الطبيبة لي دخول غرفة الولادة.. وهناك.. كانت قوانين المكان لا تسمح بدخول مرافقٍ مع المريضات..توسلت للمسؤولة أن تدخل معي والدتي على الأقل فرفضت.. كنت خائفةً من الدخول وحدي وعاجزةً عن اتخاذ أي قرار.. نَظَرتُ إليه.. فسألها إن كان التخدير سيسكن آلالامي بالكامل.. فأجابت أنني لن أشعر بأي ألمٍ بعده..

 

قال لي: على الأقل سيتوقف الألم.. ادخلي.. كلمته طمأنتني.. ودخلت وحيدة.. لا أدري لماذا كلمته فقط هي التي طمأنتني ولا أدري لماذا كنت منتظرة قراره مع أنني بحكم عملي في المجال الطبي ربما أكون أقدر على تقييم الأمر.. هناك وفي غرفةٍ يبدو أنها للتحضير ما قبل الولادة وُضع لي جهازٌ لمراقبة نبض الجنين.. وفجأة استنفر طاقم القبالة والطبيبة المناوبة.. ضعف نبض الجنين.. وضعت لي ممرضة كمامة أكسجن فوراً.. وقالت الطبيبة: لن نستطيع أن نعطيكِ ابرة التخدير الآن، حالتكِ بحاجة لعملية قيصرية..

 

هنا.. انهرت تماماً، شعرت أنها لحظاتٍ ما بين الحياة والموت، لا أنا قادرةٌ على الصمود ولا أنا قادرةٌ على التراجع.. كنت أسمع عن آلام الوضع لكن لم أكن أتصور مطلقاً أنها بهذه القسوة.. قبعت كمامة الأكسجين عن وجهي وحاولت إزالة إبرة المحلول الوريدي المغروزة في يدي وانهرت بالبكاء.. صارت الممرضات يحاولن تهدئتي واقناعي بأن الصراخ سيزيد من إجهادي وإجهاد الجنين.. بقيت أبكي وأتوسل أن يدخل هو وأمي.. وأمام انهياري وخوف الموجودين من تأثير ذلك سلباً أكثر على نبض جنيني كُسرت قوانين المكان و سُمح لأمي فقط بالدخول.. دَخَلت وجلست إلى جواري ريثما تتجهز غرفة العمليات ..

 

حدثني والدي عبر هاتفها يحاول تهدئتي، دعا لي ووشحني برضاه وبعدها حدثني هو.. أخبرته أنني أحبه كثيراً.. ربما أخبرته بذلك مراتٍ عديدة منذ أن عرفته وكلها كانت صادقة إلا أن هذه المرّة كانت أكبر كلمة أحبك قلتها له.. أخبرني بأنه إلى جواري منتظرٌ بالباب..

 

الآن غرفة العمليات بانتظاري.. أول مرّة سأدخلها كمريضة.. سيُخدر نصف جسدي ويخرج عن سيطرتي ليصبح تحت رحمة بشر.. سيُشق بطني بمشرط.. مجرد التفكير في هذه التفاصيل مرعبٌ جداً. أخرجتني الممرضة على كرسيٍّ متحرك.. أخبرتها أنه بالباب وأريد أن أراه قبل أن أدخل للعملية.. كان هناك.. وعلى باب غرفة العمليات بقي هو ووالدتي ودخلت أنا.. بعد وقت لم أعرف مقداره سمعت صوت طفلي.. ثم رأيت وجهه الجميل وكان قد توقف عن البكاء..

 

ومع أنه خرج للتو من رحمي إلا أن نظراته وثقل حضوره كانا مميزين.. كان رجلاً صغيراً.. ألطف رجل رأيته في حياتي.. قلت للطبيب أنه يشبهني.. سألني : ماذا ستسمينه ؟.. أجبت: عماد . خرجت.. رأيته ورأيت أمي.. ابتسمتُ فقط.. وحين وصلت لغرفتي كنت قد وصلت لنصف وعي من تأثير الإجهاد والتخدير.. أذكر أن والدي كان بانتظاري وقبّل جبيني.

 

. كان والدي ووالدتي وهو.. وأذكر أنني كنت أرتجف.. احتضنني هو محاولاً تهدئتي .. جمع شتات أعصابي المتعبة.. دفّأ قلبي.. وبعدها غفوت. من يعرفني عن قرب يعرف أنني كنت المرأة الحديدية القادرة على أن تعيش عمراً بأكمله دون رجل.. إلى أن التقيته.. ومع أن علاقتنا كانت استثنائية منذ بدايتها إلا أن اليوم كان علامةً فارقةً في علاقتي به.. ا

 

ليوم ورغم وجود أمي وأبي ورجلي الصغير عماد حفظهم الله جميعاً أدركت كم أنا بحاجة وجوده .. أدركت أن المرأة القوية تبقى قوية فقط إلى أن تلتقي رجلاً حقيقياً.. عن زوجي أتحدث.. عن أبي عماد