السبت 20، إبريل 2024
18º
منذ 4 سنوات

اغتيال براءة طفل

اغتيال براءة طفل
حجم الخط

شبكة وتر-لم يكن يعلم معاذ بأن خروجه من منزله في ذاك اليوم سيكون هو الخروج الأخير وسيكون بلا عودة ...وفراقه لأشقائه وخاصة أصغرهم سيكون هو الفراق الاخير ...كما لم يعلم بأن وعده الذي قطعه على نفسه لهم بأنه سيعود سالما لن يتحقق .


معاذ طفل جميل محبوب احبه والداه واخوانه واشقائه وجيرانه والجميع لأن روحه مرحه وضحكته لا تغادر وجنتيه ولا يغضب أحداً .


معاذ لم يعلم بأن الموت ينتظره أسفل منزله وقدره سيأتيه بعد لحظات من مغادرته .

ولم يعلم بأن رصاصة غادرة ستفاجئه وتمزق صدره وتستقر في قلبه لتنزع روحه من جسده ليغادر الدنيا مفارقاً أحبائه لجوار ربه الذي سيقبله طيراً من طيور الجنة .

كيف لا وهو قُتل بلا ذنب، فهو لم يحمل سلاحاً ولم يحمل سكيناً ولاحجراً ... فهو لا يعلم فيما يتقاتل هؤلاء ولا يعرف فيما تتشاجر هذه الجموع المستهترة بأرواحهم وأرواح الاخرين ..معاذ توقع كل شيء إلا أن يكون هو ضحية هذا الشجار فهو ذهب لشراء لعبة له ولأخيه الأصغر الذي شاركه في جمع ثمنها من مصروفهما اليومي على مدار أسابيع ولم يظن للحظة بأنها الشيء الأخير و اللعبة الأخيرة التي سيقوم بشراءها دون ان يلعب بها.

لعبة لطالما حلم بإمتلاكها وباللهو بها مع شقيقه الذي احبه كثيراً وعندما تحقق الحلم يُقتل برصاصة غادرة وحقدٍ وتشاجر بين أشخاص لسبب أقل مايقال عنه بانه تافه.. شاب ينظر لشاب آخر فتتشاجر العوائل فيرمي كل طرف الآخر بالحجارة والزجاجات وإطلاق النار كيف لا والجهل سيطر على العقول وغاب أهل العقل والتفكير والتروي ومات من يزن الأمور بميزان الحوار ورجاحة العقل وظهر من يزنها بميزان العنف والتعصب والقتل والحرق .

تفاجئ معاذ بعد خروجه من محل الألعاب بكثافة الحجارة والعصي والزجاجات الفارغة والحارقة تطلق في كل مكان في حارته وحيّه وشارعه وحرق منازل جيرانه التي احبها واحب من فيها من أطفال طالما لعب معهم أيام وساعات طوال .. لايعلم ما الذي حصل .


ينظر للعبته التي اشتراها فرحاً كأنه ملك الدنيا كلها ويسير وهو يحتضنها ينظر إليها مرة وأخرى لشرفة منزله الذي يقف عليها شقيقه الذي ينتظر لحظة وصوله ليفرحا معاً . . لكنه ومن هول ما شاهد معاذ في شجار المتشاجرين جعله يرتجف خوفاً ، لا على نفسه ، وإنما على لعبته وخوفه على ضياع فرحة شقيقه الصغير .


معاذ يصرخ بعفوية طفولته على هذه الجموع توقفوا توقفو ا... لماذا كل هذا ؟ وعلى ماذا تتشاجرون ؟  أنا سأعتذر للجميع مهما كان الامر صعبا... صرخة طفل برئ لم يسمعها أحد منهم.. صرخة سعت لوقف هذه المهزلة ولحقن الدماء وليصل معاذ وكل الأطفال لمنازلهم وليسلم ما اشتره له و لشقيقه .

يشاهد رجل يرمي حجراً وشاب يرمي زجاجة وطائش يحرق منزلاً وفتى يكسر مركبة وآخريشعل نار الفتنة والقتل .. صوت العقل لا يصدح به إلا طفل يعتصر ألماً على جيرانه وأهله وحيه وأصدقائه لكنه يرتجف خوفاً من المجهول الذي ينتظر هؤلاء الجاهلين المتشاجرين المتقاتلين بنظرة شاب لشاب لم تعجبه هذه النظرة .

معاذ لم يسمعه أحد وهو يختبيء من الحجارة يمسك بيده لعبته الجميلة الجديدة وبالأخرى كسرة خبز يقتات عليها في مشواره القصير وعيناه تنظران لباب منزله وتفكيره منشغلاً بكيفية الوصول إليه دون أن يصيبه مكروه.. يفكر للحظات فيشعر بأن الشجار قد هدأ قليلاً ليقرر العودة ويبدا بالركض وهو فرحا بالعودة وقرب الوصول للمنزل ولكن القدر أكبر من كل شي.. أكبر منه و من تفكيره وحلمه و استعجاله ...وقبل وصوله بأمتار يخرج شخصاً لا يراعي طفولة ولاقرابة ولا صداقة ويبدأ بإطلاق النار في كل مكان فيزداد خوف معاذ ويرتجف أكثر فأكثر ودقات قلبه النابض بحب أخيه تتسارع وتفكيره يتسع برسم خطة الوصول ولكن شيئاً رهيب يحدث لم يكن بالحساب .

رصاصة طائشة تغشاه وتستقر في قلبه وتتناثر دمائه وتسيل على صدره ووجهه وتغرق لعبته بدمائه. ينظر إليها فتسيل دمعته باكياً عليها لأن الدماء غرقتها دون أن يعلم بأنه سيغادر الدنيا بعد لحظات تاركاً لعبته ، وتاركاً هؤلاء الأشخاص يتشاجرون ويتقاتلون في معركة اللا شيء الكبيرة التي راح ضحيتها طفل كان حلمه بأن يلعب ويفرح بلعبته الجديدة .

طفل أطلق صرخته ليتوقفوا ويتراجعوا ويستخدموا عقولهم لحل مشاكلهم وليرحموا الأهل والجيران لكن الحقد أعماهم والعنف أغراهم وعدم التقدير تغلب عليهم .


معاذ غادر الدنيا تاركاً الجهل والعصبية والفتنة ونار حقد تشتعل في حيه وحارته .


معاذ ترك رسالته قبل أن يغادر بأن الحب والوئام والسلام هو الطريق الأسلم لتعايش مع بعضهم البعض..لكن هل من مستجيب ؟؟