السبت 27، إبريل 2024
18º
منذ 5 أشهر

في ظل أزمة ثقة وحرب مفتوحة

في ظل أزمة ثقة وحرب مفتوحة
حجم الخط

شبكة وتر-تعاطت معظم التقديرات الإسرائيلية لتكلفة الحرب ولاسقاطاتها الاقتصادية الاجتماعية على اعتبار انها محصورة في الحرب على غزة، وعلى أساس عدم اندلاعها على الجبهة الشمالية او جبهات اخرى، لانه عندها سوف تتضاعف ولا يمكن التكهن مسبقا بحجم الثمن الاقتصادي.
يشكل عدم وضوح أهداف الحرب وغاياتها وسؤال اليوم التالي، حالة مقلقة من عدم اليقين وعلامة عدم استقرار اقتصادي وعدم القدرة على التخطيط وفقا لنتائجها مما يجعل التقديرات تتغير من يوم ليوم وتتراوح ما بين 180 – 240 مليار شيكل.
قلق شعبي امام تكتّم حكومي بشأن الحلول
بدأ التعبير عن التذمر يتصاعد ويتسع في ظل التكتم الرسمي على أمد ومغزى الحرب على غزة وماذا سينتظر في اليوم التالي للحرب، وكلها امور تشغل الجنود وحصريا الاحتياط لكونها مرتبطة بدافعيتهم وجهوزيتهم النفسية للقتال، وبدأت الضائقة تسيطر على عائلاتهم من قلق وخوف وعبء اقتصادي واجتماعي. وهناك اجماع في الاعلام الاسرائيلي بأن الدولة غير حاضرة لتتجاوب مع هذه المظاهر بينما يشيد الاعلام بدور المجتمع الاسرائيلي الذي سبق الحكومة بخطوات في اخذ المبادرة لتدارك اعباء الحرب الآنية وسعيا لانقاذ ما يمكن انقاذه على المدى القريب.
بدأ الاعلام العبري وحصريا المكتوب يفرد مساحات كبيرة من صفحاته لهذا القلق الشعبي المتعاظم، ناهيك عن وضع عائلات الرهائن والاسرى في غزة ومصيرهم غير الواضح والسعي الى فرض صفقة تبادل على حكومة نتنياهو. بل بات هناك خطاب مدني اسرائيلي جديد وهو مطالبة جنود الاحتياط وعائلاتهم الدولة ممثلة بالحكومة ، احترام ما يطلقون عليه “العقد الاجتماعي” بين المواطن ودولته ووضع خطة واضحة المعالم لمعالجة كل اسقاطات الحرب والإخفاق والأضرار الاقتصادية الاجتماعية المتراكمة وبشكل بنيوي ولمدى طويل، كما يطالب سكان غلاف غزة وكذا النازحين من الشمال في الجليل الاعلى بأنهم لن يعودوا الى بلداتهم دون حل دائم وموثوق به.
وفقا لتقرير انفردت به هارتس بمناسبة مرور شهر على الحرب يؤكد العديد من ضباط الاحتياط والمشاركين في الحرب بأن المسألة معقدة وصعبة، وأنه مقابل الازمة الكبرى التي ادى اليها هجوم حماس في السابع من أكتوبر، هناك أعمال ومصالح اقتصادية وهناك عائلات واعمال تركوها لفترة غير محددة. ويقول ضابط “نحن هنا وسنبقى حتى ننتصر، الا اننا نريد من الدولة والجيش التفاهم في كيف سيتم اتخاذ كل ما هو مطلوب من اجل اعادة الحياة الى كل ما تركناه حين خرجنا للحرب. وكذلك ايجاد حلول موثوقة للحفاظ على فاعلية الشركات والمصالح التابعة لمجندي الاحتياط.”
حسب نفس التقرير فإن قادة الجيش الجيش يدركون صعوبة الوضع ، إلا أنهم يفتقرون إلى الجواب المؤكد والواضح، وذلك لأنه ايضا لدى صناع القرار السياسي الأمني لا يوجد جواب ويجدون صعوبة في تقدير الأوضاع والمستجدات، ووفقا لقائد عسكري رفيع ، فإن حالة الحرب قد تستغرق أشهرعديدة، ويضيف بأنه في هذه المرحلة فإن الاستعدادات هي لحرب تطال 3 اشهر، وهي فترة زمنية للحرب فقط في غزة واذا لم تشتعل الجبهة الشمالية، وفي هذه الفترة يتم الاستعداد لدفع تكاليف الاجرة عن ايام الخدمة في الاحتياط، والتجهيزات القتالية، والغذاء والنوم والخدمات الصحية وكل ما هو مطلوب للإبقاء على منظومة احتياط تضم مئات الاف المجندين والمجندات.
تحت مسمى “مملكة عدم اليقين” و”الى حين ينقشع الضباب يسعى جنود الاحتياط الى التمسك بأهمية معنى ما يقومون به وبمفهوم التضحية” وهذا ما يشدد عليه وزير الأمن غالنت وقائد الأركان في كل لقاءتهما مع الجنود بشأن أهمية وجدوى ما يقومون به ومدى تقدير المجتمع الإسرائيلي لهم في مسعى لشحنهم معنويا واستعدادهم للتضحية عند الضرورة. إلا أنه إذا طال أمد الحرب فإن “لجنود الاحتياط مصالح تشغيلية يملكونها والتزامات وجلسات عمل خارج البلاد وعروض يتوقف عليها مصير شركات بأكملها”.
مشكلة أخرى تعيق التوازن الاقتصادي وهي أنه وكما عبر مصدر عسكري رفيع: لا يمكن التطرق الى المدة الزمنية للحرب على أنها معطىً مؤكد، “الحديث عن تقدير مبني على أساس حجم القوات والمهام التي يمليها المستوى السياسي”، ويرى ان الجيش ايضا يدرك الثمن الاقتصادي للتجنيد الواسع للغاية، بمئات الاف المجندين وهذا يعني “نقصا بمئات آلاف العمال والموظفين في سوق العمل المدني والقطاع العام. الكثيرون لديهم مصالح خاصة وشركات وهناك من يديرون اماكن عمل وتشغيل مختلفة ومن شأن الغياب المتواصل ان يلحق الاضرار جسيمة بالاقتصاد الاسرائيلي وفي استمراريته الوظيفية، وهي استمرارية ضرورية ايضا لاستمرار القتال وليست مجرد مسألة معنوية ومسألة شوق للبيت”.
يقترح عمانويل تراختنبرغ رئيس معهد دراسات الأمن القومي INSS اعتماد مبدأ “التناوب” أي تقليص جوهري في عدد جنود الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم للخدمة من خلال توفير حالة من التبادل اي قيام الجيش بادماج جزء منهم في العمل الحربي بينما يسرّح جزءا آخر لفترة اسبوعين كما هو مقترح وذلك لمتابعة امور مصالحهم وعائلاتهم وهكذا دواليك.
كما ويشير الخبير الاقتصادي الى أهمية الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية والذي بلغ لتاريخ 30 يونيو/حزيران 2023 بلغ 204.669 مليار دولار، خلال الشهر الأول للحرب باع بنك اسرائيل (البنك المركزي للدولة) 8.2 مليار دولار من هذا الاحتياط، وذلك للحيلولة دون تدهور حاد في سعر الشيكل وتسارع التضخم المالي.
اللا-يقين والغموض سيّدا السياسة الحاكمة
بناء على تحليلات مانويل ترختنبرغ الاقتصادي البارز ، في الخامس من نوفمبر 2023، فإن الحرب الدائرة تختلف عن كل ما عرفته اسرائيل من حروب منذ 1948. وكانت نقطة البداية بمثابة “هجوم جنوني على المواطنين المدنيين اي على المجتمع المدني” ومعظم الاصابات وقعت في صفوف المدنيين وعددها هائل بالنسبة لاسرائيل وحتى غير مسبوق، ولاحقا فإن معظم الخسائر والاضرار هي من نصيب المواطنين المدنيين والبنية المدنية والسكانية حين باتت الجبهة الداخلية هي الجبهة الامامية للحرب.
حساب تكلفة الحرب الحالية يختلف عن كل الحروب، فإن كانت تكلفة الحروب السابقة ناتجة عن النفقات والخسائر العسكرية والتعطل الجزئي والمؤقت للانتاج والاقتصاد كما حصل في حرب أكتوبر 1973، ففي الحرب الحالية على غزة فإن الدمار الهائل وفقا لتراختنبرغ في بلدات غلاف غزة لا يمكن ترميمه بل تحتاج الى بناء من جديد وفقا لمنظور جديد. كما ان الاضرار ينبغي معاينتها وفقا لمفتاح التكلفة المباشرة وايضا للتكلفة المرتبطة بها وهي تفوقها بأضعاف، وهذا ممكن الالتفات له اذا تم النظر الى الاضرار ايضا وفقا للمفتاح الجغرافي وقوة العمل والقدرة الانتاجية.
تشكل منطقة النقب الغربي والى حد كبير الرئة الخضراء بمفهوم المنتوج الزراعي والألبان واللحوم، يتكامل مع المنطقة الشمالية الحدودية مع لبنان ومع غور الأردن والجولان المحتليين، من حيث الإنتاج ومن حيث تواصل الإنتاج الزراعي على كل فصول السنة. لا توجد تقديرات لحجم هذا الضرر الذي يوصف بالهائل ، وفقا لكل المصادر، وقد يكون الاكبر وغير القابل لاعادة البناء. وسوف تتضح الصورة فقط بعد الحرب ، اذ لن يكون من المؤكد امكانية ترميمه بل اعادة انشائه من جديد وعلى اسس مختلفة عما كان عليه سكانيا وانتاجيا.
من المتوقع للعام 2024 من وكالات التصنيف الائتماني وحصريا فوربس وس&بي أن يحصل انكماش في الاقتصاد الإسرائيلي الكلي والناتج القومي الإجمالي تصل نسبته إلى 1.5% وتراجع في الناتج القومي قد يصل الى 6%. كما وهناك اجماع على ان ميزانية الدولة للعام 2024 والتي تم إقرارها في اذار/مارس 2023 هي الأسوأ إعدادا على مدار عشرات السنين وفيها تخصيص موارد هائلة لصالح الاتفاقات الائتلافية مع المتدينين الحرديم ومع أحزاب الصهيونية الدينية والقوة اليهودية و”نوعم”. يرى تراختنبرغ أن المتوخى هو الامتناع عن اعتبار الميزانية المذكورة مرجعية يمكن تعديلها وفقا لتكلفة الحرب، بل المطلوب تغييرها جذريا وبناؤها من جديد وفقا للواقع المستجد بعد السابع من تشرين أول أكتوبر. لكن كل ذلك دون إحداث اختراق لحجمها، لان مثل هذه الخطوة سوف تخلق عجزا لا سيطرة عليه وفلتانا للتضخم المالي التراكمي في اشارة الى ما حدث بعد حرب 1973 حين بلغ التضخم بسبب تداعياتها الى 500% في العام 1984. بينما في العقدين الأخيرين فإن التضخم المالي في اسرائيل محدود ويساعد في الانتعاش الاقتصادي إذا كانت امكانية حقيقية للسيطرة عليه
وفقا لمعهد دراسات الأمن القومي فإنها المرة الاولى في تاريخ الدولة “لدينا نازحين بنحو 150 ألف مواطن نازح في الدولة” وهؤلاء من قامت السلطات الرسمية بإخلائهم من بلداتهم، يضاف إليهم ما قد يضاهيهم ممن اختاروا الاخلاء طوعا وبقدراتهم الذاتية دون انتظار تعليمات الدولة.
كان الوضع الاقتصادي لغاية العام الأخير جيداً وشهد انتعاشا وثباتا وكانت اسرائيل من اوائل الدول التي انتعش اقتصادها خلال وبعد جائحة الكورونا، بينما شهد العام 2023 ومنذ بدايته توترا اقتصاديا وتراجعا تزامنا مع الانقلاب القضائي، وبدأت هجرة اموال كبيرة على حساب النمو الاقتصادي ووتيرته، وشهدت تراجعا في التصنيف الائتماني وبانت علامات سؤال وتشكيك بصدده، كما وشهدت هروبا للاموال سواء باتجاه التراجع عن الاستثمارات الاجنبية في مجالات الصناعات التكنولوجيا العالية، وكذلك تسجيل جارف للشركات الناشئة خارج البلاد وانتقلت العديد من مراكز ومقرات الشركات العالمية من البلاد ومعها كوادر العاملين بها الى الخارج. وهو الوضع الذي ساد حتى “طوفان الاقصى” بكل تداعياته على الاقتصاد الاسرائيلي، من حيث التكاليف والخسائر والتراجع في النمو وفي الناتج الإجمالي القومي والفردي ومستوى المعيشة. والمتوقع هو تسارع هروب الاموال الاستثمارية من اسرائيل وهجرة الادمغة بعد الحرب.
لا توجد لحد الآن تقديرات دقيقة للتداعيات الاقتصادية، لكن هناك اجتهادات ومساع لتأطير هذه التداعيات على المستوى المالي، والاستهلاك والمرافق الخدماتية والتراجع في الإنتاج وانحسار القوى العاملة الأكثر تأهيلا، وتراجع مدخولات الدولة من الضرائب ، وفي المقابل نفقاتها على جنود الاحتياط وعائلاتهم والنازحين، والعلاجات للجرحى والحالات النفسية والتأهيل لاحقا وكذلك تعطيل الدراسة على مستوى المدارس والجامعات وتوقف العديد من الشركات الخاصة وتعطّل الطيران، ناهيك عن التكلفة المباشرة للعمليات الحربية يوميا والتي تقدّر بنحو 1.2 مليار شيكل يوميا، بينما الضرر البنيوي هو ان الاقتصاد بدأ ينكمش خلال الحرب نتيجة لتجنيد جنود الاحتياط ولفترة غير محددة لغاية الان.
تشيد معظم التقديرات الاسرائيلية بأهمية وضخامة الاحتياطي من العملة الاجنبية (204 مليار دولار)، وهو مخصص لمثل هذه الحالات الطارئة من الحرب او الكوارث الطبيعية او الكوارث الصحية. في حين ان هذا الاحتياطي الضخم في دولة بحجم اسرائيل هو ايضا مركب من مركبات التصنيف الائتماني للدولة وفي حال تناقصه سيؤثر سلباً وله تداعيات على السياسة المالية والوضع المالي وعلى الضرائب والفوائد البنكية. كما انه وفقا لكل التقديرات لا يشكل ضمانا لحرب طويلة الامد او متعددة الجبهات.
غادر اسرائيل منذ السابع من اكتوبر معظم العمال الزراعيين وعمال البناء الاجانب وعادوا الى بلدانهم بعد ان سقط عدد منهم في عملية طوفان الاقصى وبات جزء اخر رهائن في غزة وكذلك نتيجة لتوقف المشاريع. فمن بين 114.523 من العمال الاجانب في اسرائيل نحو 60 الفا يعملون في خدمات التمريض والمسنين والعوزة وهؤلاء يواصلون عملهم في المجمل، بينما التراجع الكبير هو في عمال البناء (23.400) والزراعة والصناعات الخفيفة والخدمات السياحية والتي تضررت جميعها. هذا بالاضافة الى 143 ألف عامل فلسطيني في مجالات البناء (80 ألفا) والمرافق الصناعية والخدماتية يُحرمون من دخول اسرائيل، مع الاشارة الى أن العمال الاجانب يشكلون نحو 10% من القوى العاملة في اسرائيل، بينما يشكلون مجمل العاملين في مجالات تشغيلهم.
السياحة: هناك اجماع في انهيار كامل لقطاع السياحة الداخلية والخارجية، يجد تعبيرا عنه في في إلغاء جارف لرحلات الطيران، والمواصلات المحلية والمرافق السياحية من مواقع و”حدائق وطنية”، والحجوزات والفندقة بكل بنيتها، في حين تحولت الفنادق في المجمل الى نُزُل للنازحين من منطقة غلاف غزة ولاحقا من الشمال لغاية 4 كم من الحدود مع لبنان، وتلتزم الدولة بهذه النفقات.
كما تعتبر منطقة النقب الغربي المحاذية لقطاع غزة منطقة سياحية بحد ذاتها وكذا المنطقة الشمالية الحدودية وفي الحالتين تركت الناس مزارعها والتي تقدر بمئات الدونمات كل واحدة من الزراعة المتطورة دون قطف منتوجها ودون اية رعاية. وهي بحد ذاتها كانت تشكل مرافق جاذبة للسياحة.

الصناعة: وفقا لاتحاد ارباب الصناعة الاسرائيلي من تاريخ 17 اكتوبر، فإن تكلفة الحرب اليومية للاقتصاد هو 4.6 مليار شيكل (1.2 مليار دولار)، وهي أضرار اقتصادية ناتجة عن تقلص هائل في القوى العاملة يوميا وتجنيد الاحتياط، وتراجع منسوب الانتاجية وتداعيات اغلاق المؤسسات التعليمية واغلاق الطرق الرئيسية، ووفقا للتقديرات المذكورة فإن نحو 1.3 مليون من القوى العاملة لم تصل الى اماكن عملها في الاسبوع الاول للحرب.
مع التنويه بأن هذه التقديرات لا تأخذ بالحسبان اضرارا مادية جوهرية ، حيث ستنكشف سعتها فقط بعد الحرب والمقصود الاصابات المباشرة للمصانع والاضرار اللاحقة بمعدل ارباحها واضرار غير مباشرة مرتبطة بسمعة هذه الصناعات وصدقيتها والتزاماتها نحو اطراف خارجية وهذا يشمل إلغاء تعاقدات وعدم التزام بالوقت وتراجع قيمة الشيكل، ناهيك عن التراجع في الانتاجية، ومسألة المصابين الجرحى والنفسيين جراء الحرب وخلالها
من بين النازحين الاسرائيليين الذين تضرروا اقتصاديا بشكل افقدهم القدرة على العمل بتاتا هناك 60 ألفا من بين النازحين والذين تقدموا بطلبات للحصول على رسوم البطالة، واصحاب مصالح انتاجية وخدماتية على السواء قد اعلنوا افلاسهم واغلقوا مصالحهم بأمر من الدولة او قسريا. ومن المتوقع ان يشعر كل مواطن اسرائيلي وبشكل مباشر بوطأة التداعيات الاقتصادية للحرب. لغاية مرور شهر عليها “أدت الحرب لانخفاض حاد في الانشطة الاقتصادية ولانهيار في الاستهلاك الفردي”.
تتوقع وكالة التصنيف الائتماني موديس بأن يترافق تراجع الوتيرة الاقتصادية للعام 2024 بارتفاع حاد في التضخم المالي ليصل الى 6.8% (نحو ضعف ما هو عليه قبل الحرب)، ويعكس هذا تداعيات تراجع قيمة الشيكل مع بداية الحرب وهو ما يؤدي الى ارتفاع اسعار المواد المستوردة، الى جانب تخوفات من ارتفاع في اسعار النفط، بينما تعترض على ذلك تقديرات وكالة التنيف S&P التي تتوقع في العام 2024 تراجعا في منسوب التضخم وضمن تقديرات بنك اسرائيل (1-3 بالمئة) وهذا يعني إحالة تكاليف الحرب على المواطنين مما سنعكس بالازمة الاقتصادية والاجتماعية المتداخلة.
العقارات واسعار الدور:
شهد الشهر الاول من الحرب تراجعا جوهريا في حجم قروض الاسكان التي اقترضها السكان من المصارف لشراء البيوت والشقق، وبلغ مقدار مجمل القروض 4.59 مليار شيكل وهو أدنى معدل لها منذ ثلاث سنوات، وليشكل الامر انقلابا في الدالّة التي شهدت ارتفاعات متواصلة. وفقا لمكتب الاحصائات المركزي وبخلاف الفترة التي سبقتها ، فقد تدنى معدل مشاريع البناء الجديدة ب20.3% في الفترة ما بين صيف 2022 وصيف 2023، ليأتي تراجع طلبات قروض الاسكان بناء على الشعور العام بعدم الاستقرار الاقتصادي وبشكل حاد، مما سنعكس في المرحلة القادمة بتراجع العرض ايضا ومن شأنه ان يرفع الاسعار ويسهم في التضخم المالي المتوقع وتراحع قدرة الناس على تسديد القروض مع الارتفاع الحاد في الفائدة البنكية والتراجع في الدخل.
هل بالامكان معالجة الازمة المتفاقمة:
يقترح معهد دراسات الامن القومي حلولا بينية، وهي تعبر عن عمق التحولات في الحالة الاسرائيلية الداخلية، أخذا بالحسبان ان مجموعات سكانية ذات طابع سكنى مشترك قد تفككت بالكامل ولا يمكن النظر الى الحلول بأنها مسألة اعادة إعمار ما هُدم من بيوت ومرافق ومزارع ومصانع ونمط حياة، بل المطلوب وفقا للمعهد اعادة إنشائها من جديد إن كان ذلك ممكنا. ويؤكد المعهد بأن نمط التفكير السائد القائم على انه في زمن الحرب يكون دور الاقتصاد إسناد المعركة العسكرية والجيش، قد انهار كما انهارت معظم النظرة الامنية في 7 اكتوبر، وبما أن الجبهة التي وقع فيها جلّ الخسائر هي الجبهة المدنية الداخلية فإنه “ينبغي التعاطي مع الوضع العسكري والاقتصادي والمجتمعي كوحدة واحدة لا تنفصل ولا مكان لتفضيل احد مركباتها على غيره” بل ان اي قرار حكومي في اطالة امد الحرب ينبغي ان يأخذ بالحسبان المستويات الثلاثة معا قبل الحسم بشأنه.
ويرى محللو المعهد وكذلك خبراء كثر بأن عدم الوضوح الحكومي واللا-يقين الذي يجتاح المجتمع الاسرائيلي بصدد وجهة اسرائيل بعد الحرب وضرورة ان تكون نحو واقع جديد آمن وليس “الى حيث كنا” هي من اخطر ما يواجه المجتمع الاسرائيلي، ومعه الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي على السواء.
كما ان كل الحلول ستكون على حساب المجتمع، سواء التزمت الحكومة بعدم اختراق كبير في الميزانية وهو الامر المفضل للمدى البعيد فإن ذلك معناه زيادة الاعباء الاجتماعية، واذا حدث اختراق كبير لميزانية العام 2024 فإن ذلك معناه التضخم والبطالة والدخول في ازمة ركود قد تكون الاخطر نتيجة الاخفاق السياسي والامني والعسكري. مما يشير الى ازمة اقتصادية اجتماعية عاصفة ولا تبدو مخارج منها ما دامت وجهة اسرائيل هي اللا-حل للقضية الفلسطينية والابقاء على الخيار العسكري الذي يحصد في كل جولة أثمانا اكبر بكثر مما سبقه ولا يأتي بنتيجة.

الخلاصة:
– يساور القلق العميق المؤسسة المالية والاقتصاية ، بأن تزامن وتداخل الظروف المذكورة قد يؤدي الى حالة شبيهة بما حدث في العالم وفي اسرائيل بعد حرب 1973 وهو الركود الاقتصادي الشامل المعبر عنه بالتداخل ما بين وتيرة نمو بطيئة وارتفاع في معدلات البطالة وارتفاع الاسعار على الرغم من تراجع الطلب.
– لم تنته الحرب ولم تتحدد ساحاتها بعد، الا انه وفقا لكل التقديرات فهذه اكثر الحروب تكلفة والازمة الاقتصادية السياسية الاجتماعية المتفاقمة قد تكون الاكثر عمقا وتختلف نوعيا ولها اسقاطات سكانية ايضا بالاضافة الى الابعاد المذكورة اعلاه.
– لا تملك اسرائيل اي تصور لمخرج سياسي من ازماتها وهو ما قد يعمقها، وقد تنحو بعد الحرب نحو التفتيش عن حلول سياسية وقد يكون التوجه دمويا نحو الفاشية والتهجير باتجاه “خطة الحسم” من لدن سموتريتش، وكل الاحتمالات قائمة داخليا، لكن المسألة اكبر بكثير من ان تحتويها اسرائيل داخليا والتي من المتوقع ان تدخل في ازمة عاصفة من الصراع السياسي عند التحقيق في مسببات الاخفاق الشامل في طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر.
– فلسطينيا ، الاضرار هائلة وكارثية على شعب فلسطين في غزة وفي الضفة والقدس والداخل، تضاف اليها ازمة العمال الفلسطينيين الذين لن يجدوا مصدر معيشة ولو بالحد الادنى، ولا بد من تصور فلسطيني رسمي بمشاركة كل الأطراف السياسية واجتهادات شعبية ، بهدف رسم خارطة طريق جديدة نحو الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس.