الجمعة 17، مايو 2024
10º
منذ 6 سنوات

الاتفاق النووي الإيراني في مهب الريح

الاتفاق النووي الإيراني في مهب الريح
حجم الخط
شبكة وتر- الدكتور أحمد سيد أحمد- تشكل الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تحولا، مهما في السياسة الأمريكية تجاه إيران والاتفاق حول برنامجها النووي الذي أبرم في عام 2015, بعد رفض ترامب التصديق على التزام طهران بتنفيذ بنوده وإلقاء الكرة في ملعب الكونغرس ليقرر خلال ستين يوما الخيارات المتاحة, وهي إما استمرار رفع العقوبات الأمريكية أو إعادة العقوبات السابقة أو إضافة عقوبات جديدة بما يضع الاتفاق النووي على المحك.       ارتكزت سياسة أوباما على أن إبرام الاتفاق يمثل نجاحا لعقيدته السياسية في الحوار والدبلوماسية وتعزيز دور الإصلاحيين الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني في مواجهة قبضة المتشددين, وكذلك دمج إيران في المنظومة الدولية, مع التغاضي عن أنشطتها الأخرى في تطوير برامجها الصاروخية ودعم الإرهاب، كما اعتبرت الدول الأوروبية الشركاء في اتفاق الخمسة زائد واحد أن الاتفاق سوف يوقف الانتشار النووي ويدعم السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى استفادتها الاقتصادية الكبيرة من رفع العقوبات على إيران من خلال تدفق استثماراتها خاصة في قطاع النفط والسوق الإيرانية الواسعة.       لكن بعد عامين من إبرام الاتفاق سقطت تلك الفرضيات حيث أدى الاتفاق إلى زيادة حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتهديد السلم الدولي مع تصاعد خطر الإرهاب نتيجة لسعي النظام الإيراني لتوظيف الأموال الضخمة والتي تصل لمائة مليار دولار بعد رفع العقوبات وفقا للاتفاق لتعظيم دور ونفوذ إيران الإقليمي وزعزعة استقرار المنطقة والتدخل في شئون دولها ودعم التنظيمات الإرهابية من الفواعل من غير الدول الموالية لولاية الفقيه مثل حزب الله اللبناني وميليشيا الحوثي باليمن والميلشيات الشيعية العراقية وغيرها, حيث زودتها بالمال والدعم اللوجستي والتدريبي وتغذية الطائفية والحروب الأهلية وهو ما فاقم من مشكلات وأزمات تلك الدول خاصة سوريا والعراق واليمن ولبنان.       كما أن النظام بدلا من توظيف عوائد النفط والأرصدة المفرج عنها لتعزيز التنمية في الداخل وانتهاج سلوك رشيد يرتكز على حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول, سعى لتطوير برنامجه الصاروخي الباليستي بما يشكل تهديداً واضحاً للأمن القومي العربي والخليجي.       ولذلك فإن استراتيجية ترامب الجديدة ترتكز على معالجة ثغرات وعيوب الاتفاق النووي والتعامل معه بمنظور شامل يرتكز على: أولا ضمان التزام إيران الدقيق بتنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي وفتح جميع مواقعها العسكرية المشتبه فيها أمام مفتشي الوكالة الدولية وذلك لضمان عدم حيازتها للسلاح النووي، وثانياً: حصار وتحييد الدور الإيراني في دعم الأنشطة الإرهابية وتهديد الاستقرار الإقليمي والعالي، وثالثا: تحجيم القدرات الصاروخية الباليستية الإيرانية المحورة وفقا لقرار مجلس الأمن 2231 الذي أقر الاتفاق النووي.         وإذا كان ترامب لم يعلن رسميا الانسحاب من الاتفاق، كما أنه من الصعب أن يقوم الكونغرس الأمريكي بإلغاء الاتفاق نظرًا لوجود بعض الاختلافات في الرؤى بين أعضائه وداخل إدارة ترامب، والمعارضة الأوروبية والروسية لتوجه ترامب بإلغاء الاتفاق أو الانسحاب منه، إضافة لقرار مجلس الأمن، إلا أن الاتفاق أصبح هشا ويفتقد مقومات الاستمرارية في ظل تراجع الطرف الأساسي فيه، فهو اتفاق ثنائي بين أمريكا وإيران برعاية وضمانة خماسية من روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، كما أن العقوبات الأمريكية هي الأكثر تأثيرا على إيران. ولذلك في حالة فرض الكونغرس والإدارة الأمريكية عقوبات جديدة منفردة على إيران وأذرعها العسكرية خاصة الحرس الثوري وفيلق القدس، فإن الاتفاق قد يٌفرغ من مضمونه, إضافة إلى إستراتيجية ترامب قطعت الطريق على سياسة أوباما في أي تقارب أو تطبيع محتمل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران رغم التعاون والتنسيق على أرض الواقع.       والأهم أن مصير الاتفاق واستمراريته أصبح مرهونا ليس فقط بتنفيذ إيران بنود الاتفاق فى وقف تخصيب اليورانيوم وتقليل أعداد أجهزة الطرد المركزي وعدم بناء مفاعلات نووية جديدة للمياه الثقيلة وفتح مواقعها النووية والعسكرية لوكالة الطاقة الذرية، وإنما الأهم أنه أصبح مرهونا بوقف طهران لبرامجها الصاروخية الباليستية وأنشطتها في دعم الإرهاب ودورها السلبي في المنطقة والكف عن التدخل في شئونها الداخلية، وهو أمر يصعب ضبطه والتحقق منه في ظل التغلغل والتدخل الإيراني في العديد من الدول العربية ودعم الميليشيات والمنظمات الموالية له وإصرار النظام الإيراني على تعظيم دوره الإقليمي بكافة الوسائل مستغلا حالة السيولة التي يعيشها العالم العربي بعد التغيرات السياسية التي شهدها عام 2011.         ورغم أن الموقف الأوروبي والروسي المدافع عن الاتفاق، لاعتبارات اقتصادية، والتشابك الأمريكي العسكري في المنطقة خاصة في العراق، قد يبطئ من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق إلا أن استراتيجية ترامب الجديدة وربط الاتفاق بالقضايا الأخرى الخاصة بالبرنامج الصاروخي الإيراني وأنشطتها في دعم الإرهاب، سوف يدفع في اتجاه البحث عن خيارات جديدة أبرزها إعادة مراجعة بعض بنود الاتفاق أو إضافة ملحق جديد يتعلق بقضيتي الإرهاب والقدرات الصاروخية، وهو ما لن تقبله طهران، مما يدفع إدارة ترامب لفرض مزيد من العقوبات على إيران، ويؤدي في النهاية المطاف إلى أن يصبح الاتفاق النووي في مهب الريح.