كتب ياسر عن البسطاء متلمساً حاجتهم، أولئك الذين لا يغضبون ولا يفرحون كثيراً، كما يصفهم ولا يحبون الأضواء ولا يشعرون بحاجة إليها، فالضوء الذي بداخلهم المنبعث منهم يكفيهم. رشاقة العبارة، وبساطة الحكمة، وبريق الفكرة، ثلاثة قواسم تشاركها ياسر مع أستاذه وملهمه الأديب البرازيلي باولو كويلو. سمات مكنته من نقل القارئ من مكان إلى آخر عبر نصوصه التشاركية. "العربية.نت" حاورت الكاتب الإماراتي، وكان الحوار التالي:

من هو "ياسر" الإنسان؟

كُنتُ أنوي أن أكتب "شاب إماراتي" كما تعودتُ، لكن عندما تذكرتُ بأنني على بعُد سنتين من الأربعين ترددتُ قليلاً، وقررتُ كتابة "كاتب إماراتي". لا أدري ماذا أقول عن نفسي، فالحديث عن الذات صعب جداً، فكيف يتحدث المرءُ عما لا يعرف جيداً. نظن بأننا نعرف ذواتنا، ولو كان الأمر بتلك البساطة لما قضى الرهبان البوذيون جُلَّ حياتهم في التأمل بحثاً عن الذات. أنا ما زلت أبحثُ عن ذاتي ككثير من الناس، وخلال رحلة البحث تلك عملتُ في عدة أماكن في حكومة دبي، ودرستُ في الإمارات وخارجها، وانتقلتُ بين أروقة الإدارة، من التسويق إلى الاستراتيجية. كنتُ أبحثُ عن ذاتي، حتى وجدتُ بعضاً منها في الكتابة.

أنت من أسرة طموحة ومثابرة، هل تعتبر النجاح وراثة أم هدفاً وتصميماً؟

النّجاح لا يُوَرَّث، بل هو وريث الانضباط والمثابرة. قرأتُ مرة جملة تقول the world is run by those who show up؛ وتعني أن العالم يُديرُه الذين يُصرون على فعل شيء ما، أو بمعنى آخر، المكافحون الذين يبرزون لعملهم كل يوم. فإن كنتَ رسّاماً فإنك سترسم كل يوم، وإن كنت كاتباً فإنك ستكتب كل يوم، وقِس على ذلك باقي الأعمال في الحياة. فالهواة لا يُغيرون العالم، ولا حتى أنفسهم.. إنهم يتسلّون فقط. وقد لا نكون مطالبين بتغيير العالم، فذلك ضرب من الجنون، إلا أن إحدى مُتَعِ الحياة أن نحاول ترك أثر جميل فيها، ولا يتحقق ذلك إلا بفعل ما نُحسِنُ بانضباط، كل يوم.

يقال إن أسوأ ما يحدث للإنسان هو عندما لا يعرف نفسه، ما مدى هذا السوء؟ والآثار المترتبة عليه؟

معرفة النفس رحلة طويلة، نقف خلالها على محطات تُعرّفنا على الحياة وتُقرِّبُنا من أنفسنا أكثر. أن تبحث عن نفسك لا يعني أن تتوقف عن كل شيء وتبحث عنه، فلن تجدها إلا في تفاصيل الحياة الصغيرة، في المِحَن والمواقف الصعبة، في اللعب مع الأطفال والضحك على النكت السخيفة، لكن الصادقة في الوقت نفسه. ألا تعرف نفسك ليست المشكلة، بل المأساة عندما تظن بأنك لستَ في حاجة لمعرفتها. حينها يصير الإنسان ساذجاً ورؤيته لا تتعدى حدود ضعفه. فيصبح الفشلُ هاجساً مرعباً في حياته، وينسى أن الفشل محطة على الطريق.

"نحن من نصنع سمعتنا"، برأيك هل سمعتنا العربية طيبة أم أنها تحتاج لتصحيح؟ وكيف ينتصر العرب على محنتهم؟

قد يثير هذا الرأي حفيظة بعض الناس إلا أنني سأقوله في كل الأحوال. أنا لا أؤمن بفكرة "الوطن العربي" لأنه في الحقيقة ليس وطناً واحداً. دعونا من الماضي، فالإنسان ابنُ زَمَنِه، محكومٌ بشروطِه وبِمفاهيم الحاضر. قد تجمعنا اللغة، ورابطة عاطفية دافئة، لكن الجغرافيا تختلف، وقِيَمُ الناس تختلف، وظروف الحياة واشتراطات التنمية في كل قُطْرٍ عربي تتباين بشكل كبير. ولهذا فإنه عندما يتحدث أحدهم في قناة أجنبية عن العرب ويضعهم في بوتقة واحدة فإنه يظلم شعوباً كثيرة. تماماً مثلما يُقال في المنطقة "الغرب" ونضع ثلاث قارات - على الأقل - في ميزان واحد ونحكم عليهم. لهذا، نحتاج للحديث عن الأوطان منفردة أو ربما عن الأقاليم، إلا إذا نشأ اتحاد عربي أو خليجي في يوم من الأيام. لأن أحلام الليبي تختلف عن طموحات السعودي، وتحديات الإمارات مختلفة تماماً عن تحديات العراقي، فكيف يمكننا أن نصف الدواء نفسه لمرَضَيْن مُختلفين؟ جميل أن نحتفي بعروبتنا وننظر إلى المشتركات بيننا، لكن نحتاج أن نكون واقعيين في التعامل مع اشتراطات الحضارة في كل بلد على حِدة، بما قد يساهم يوماً في خلق نهضة فكرية وإنسانية على مستوى الدول العربية. لكننا سنفشل تماماً إذا ربطنا نجاح شرق العالم العربي بغربه، فكلٌ له ظروفه الخاصة.

هل تصلح الثقافة ما أفسدته السياسة؟ ودورها في التواصل الحضاري؟

الثقافة ليست بديلاً للسياسة، ولا يجب أن تقوم بدورها. كما يقول إدوارد سعيد، فإن "الثقافة هي الإنتاج الفكري للشعوب". كنتُ منذ صِغَري مهتماً بالعمل الثقافي لأن والدي كان شغوفاً به وكان يأخذني معه في مشاركاته الثقافية في داخل الإمارات وخارجها. قبل عشر سنوات كنت أعمل في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وكنتُ مسؤولاً عن الجانب الثقافي فيها، وقضيتُ وقتاً في ألمانيا وبريطانيا وبعض الدول العربية لتفعيل مشاريع ثقافية مشتركة في النّشر والترجمة وغيرها. لهذا، يمكنني أن أقول بأن الثقافة هي "القَنْطَرة" أو الجسر الوحيد الآمن للعبور بين شعوب العالم. يبدو أن كل شيء آخر بات يؤدي للصراع والدمار. باختصار: السياسة لعبة مصالح، والثقافة عملية تواصل.

تغليب العقل.. متى تفضل استخدامه؟

دائماً، حتى في الدين. فلولا العقل لما عرفنا الله تعالى، وتلك أعظم المعارف، أفلا نستأمنُ العقل إذن على معرفة شرعه. هذا ما فهمه ابن رشد وحُرقت كتبه من أجله. من يخاف من استعمال عقله ويظن بأن ذلك سيفسده فعليه أن يعلم بأنه مُغيَّبٌ عن الحياة، يُقاد فيها بسذاجة، وربما لو قرأ مسألة منطقية واحدة فسيعلم بأنه لم يكن يعرف شيئاً قبلها. لا يخشى من العقل إلا اثنان، واحدٌ يظن بأنه يعرف الحقيقة كاملة، وآخر لا يعلم بأنه لا يعلم.

المتتبع لمقالاتك يجدها تسير بـ3 اتجاهات، الأسئلة المستفزة، والتأمل، وتصحيح النظرة للدين.. لماذا اخترت هذه المسارات الثلاثة؟

لأنها نابعة من صراع العقل العربي المسلم مع الواقع. فعقولنا تعيش مرحلة "الجهل المُقدّس"، كما يقول الفيلسوف الفرنسي أوليفييه روا. نحن نعتقد بمفاهيم كثيرة، لا شأن لها بالنصوص المقدّسة الشريفة في ديننا الحنيف. مع تراكم الزمن، أُضفيتُ مشروعية التقادُم عليها حتى صارت مُقدّسة. ثم انتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة "الجهل المُؤَسَّس"، كما يقول محمد أركون، حيث إننا نؤسس اليوم للجهل في المدارس والمنابر والإعلام. لكنني أؤمن بأن تعزيز الجهل في مجتمعاتنا ليس متعمداً، بل نتيجة لغياب التفكير والشكّ، وانحسار الفلسفة من حياتنا بعد أن مُنِعَت من المدارس وعدنا إلى عصور الظلام التي كان يُقال فيها "من تمنطق فقد تزندق".
قبل أن يثور القارئ على فكرة الشك، فأحب أن أورِدَ له حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال: "نحنُ أحق بالشك من إبراهيم إذ قال ربّ أرني كيف تحيي الموتى"، إذن حتى المؤمن مأمور بالشك، لكن الشك المنهجي كما فعل أبي حامد الغزالي وديكارت من بعده. أما التأمل فإنه من مُتَعِ الحياة وفروضها الوجدانية. فحتى نُدرِكَ الجمال نحتاجُ أن نُمعن النظر، ونترك البصيرة تسرحُ في الموجودات والأفكار. يقول فولتير: "قبل أن تتفلسف ازرع حديقة منزلك". وأظنه يقصد بأن أساس الفلسفة والنظر العقلي هو قدرتنا على تأمل الجمال حولنا، لأنه يدفعنا للبحث عن الماهية والكينونة التي تقبع خلف الأشياء والصور، فما نعجزُ عن وصفه نسعى دائماً لفهمه، وهُنا تَنْقَدِحُ شرارة الفكر.

أصدرت عدة كتب، وكل كتاب حمل هوية ورسالة، ما الخطوط العريضة التي تبني عليها كل مؤلَف، سواء من ناحية الفكرة أو الطرح؟

أعتقد بأن الكتاب يختار الكاتب لا العكس، وعندما يسعى الكاتب لاختيار كتابه فإنه يفشل. فالكتاب يأتي نتيجة لقراءات كثيرة، ثم تأملات قلبية وعقلية، تتراكم ذرّاتها المعرفية في ذهن الكاتب حتى تنساح روحه على الورق، فمن يكتب يتبرّعُ بشيء من روحه للبشرية، وتلك ذُروة العطاء. وباختصارك قراءاتك وتجاربك ترسم الخطوط العريضة لكتاباتك.

شاركت الروائي باولو كويلو في كتاب مشترك، حدثنا عن هذه التجربة؟

باولو معلّمٌ قاسٍ جداً، لا يعرف المجاملات ولا يحب الزّيف. قال لي مرة في بداية التدريب بعد أن قرأ أحد نصوصي: "لقد كتبتَ هذا النص من أجلك أنت لا من أجل القارئ، فلقد كنت تستعرض ثقافتك ومعلوماتك أمامه". كان كلامه صدمة بالنسبة لي، لكنه علّمني كيف أكون صادقاً فيما أكتب، كيف أختصر النّص، وكيف أختار أسهل الكلمات لا أصعبها. فمثلاً بدل أن أكتب "دَلَف إلى البيت" صرتُ أكتب "دخل البيت"، فكم قارئاً في القرن الحادي والعشرين يعرف كلمة معنى دَلَف؟ يقول باولو: "البساطة أصعب ما في الكتابة".

عشت عزلة عن المجتمع لمدة 5 سنوات، ماذا أخذت منك وماذا وهبتك؟

أخذت مني النصف الثاني من عقدي الثالث، فعندما أتذكر عشريناتي لا أتذكر غير القراءة والعمل. كنتُ أعود من العمل وأنكبّ على مكتبتي الصغيرة في البيت حتى المساء. وأذكر بأنني كنتُ في يوم ما أقرأ كتاب "الزهير" لباولو، ولكثرة ما أعجبني عكفتُ عليه حتى الصباح، ثم أرسلتُ رسالة لمديري قلتُ له فيها إنني لن أحضر إلى العمل ذلك اليوم، دون أن أخبره عن السبب، فقرر أن يخصم ذلك اليوم من رصيد إجازاتي. كانت الكتب، وما زالت، عشيقتي الأبدية، أكسبتني معارف كثيرة، جعلتني أشعر بأنني أكبر من سني بكثير، وهذه - ربما - إحدى السلبيات، عندما تشعر بتقدم عمرك رغم أنك ما زلت صغيراً. لكنها فتحت لي آفاقاً كثيرة، طهّرتني من الداخل، ومنحتني اتزاناً في تصوري للعالم والآخر. إلا أنني لا أشعر بأنني فقدت الكثير في تلك العزلة، لياقتي ربّما، فلقد زاد وزني (أعترف الآن) لأنني استبدلتُ القراءة بالرياضة، لكنني عدتُ بعد سنوات وانضممتُ إلى صالة رياضية.

نجد اليوم تجارة رائجة في المعرفة، خاصة تطوير الذات، فهل أنت مع أم ضد الكتابة بهذا المجال؟

لستُ ضد التجارة بالمعرفة، فغوغل أكبر شركة معرفية في العالم، تجني مليارات الدولارات في العالم لكنها جعلت الحياة مكاناً أجمل للعيش. كذلك ناسا، مؤسسة معرفية عملاقة، بسببها ظهرت مئات الاختراعات التي تحولت إلى شركات تجارية ضخمة. وهناك مدربون من أمثال ستيفن كوفي وتوني روبنز وغيرهم، ساعدوا الناس على اكتشاف أنفسهم والثقة بها. كم شخصاً صار أفضل بسبب هؤلاء المعلمين الأجلاء، الذين تحولوا إلى أغنياء من وراء برامجهم التدريبية؟ لا أرى عيباً في ذلك. لكن المشكلة هي عندما يقرأ أحدهم كتابين أو ثلاثة ثم يبدأ في تقديم دورات "تخصصية" للجمهور، هنا تتحول المعرفة إلا أداة للنصب والاحتيال.

طقوس الكتابة بين الهدوء والصخب.. أين يجد ياسر نفسه؟

موسيقى وحديقة وطقس بارد وكوب قهوة. هذا كل ما أحتاجه لأكتب. لكنني لا أكتب إلا بعد بحث طويل، حتى عمودي الحالي "لحظة" الذي لا تتجاوز كلماته 450 كلمة، أحتاج أن أبحث في الموضوع الذي أكتب فيه قبل أن أشرع في الكتابة، احتراماً لنفسي ولعقل القارئ.

البرامج التلفزيونية ابتكرت نوعاً جديداً من البرامج، هل اعتمدت هذا النوع لمسايرة النمط السريع لدى البشر؟

برنامج "لحظة" الذي عرض على (إم بي سي) في رمضان الماضي كان نقلة نوعية في البرامج التلفزيونية من ناحية الصورة والمحتوى، بشهادة إدارة القناة والجمهور. فالصورة جديدة تماماً، استخدمنا فيها تقنيات حديثة شبيهة بتلك المستخدمة في أفلام الخيال العلمي في هوليوود. أما المحتوى فكان عن آخر الاكتشافات العلمية والاختراعات التقنية. وتركيزي الآن هو على الإنتاج التلفزيوني، والوثائقيات خصوصاً، لأنني أؤمن بأن الفيلم الوثائقي القصير (20 دقيقة) يمنح المتلقي معلومات مفيدة بطريقة مسلية وبسيطة. فالقراءة لم تعد الوسيلة المعرفية الأولى، بل قد يكون "يوتيوب" أحد منافسي القراءة، ولكن ليس بشكل سلبي، ففيه ملايين الفيديوهات التعليمية والفكرية، وبالنسبة لي فإن يوتيوب مَنْهَلٌ معرفي عظيم. أضف إلى ذلك كثير من برامج الهاتف الصوتية والمرئية، ولهذا، أردتُ أن أقدم سلاسل معرفية وثائقية في السنوات القادمة للمشاهد العربي.

مدونتك "نحو فكر جديد" حملت العديد من الرؤى والأطروحات الفكرية التي دار حولها جدل، هل قادت بالفعل القارئ كي يفكر كما كنت تتمنى؟

مهمتي لا تكمن في تغيير القارئ، بل في دفعه للتساؤل والبحث. لا أملك استبياناً لأرد علمياً على هذا السؤال، لكنني أظن أنه من خلال تفاعل الناس في السوشيال ميديا مع الأشياء البسيطة، التي أقدمها بأن هناك من بدأ يتساءل ويبحث.

عملت بتطوير دبي، وشغلت عدة مناصب وتركت بصمة أشاد بها الشيخ محمد بن راشد، هل ما زلت تبحث عن التطوير بمكان آخر؟

ساهمت بشيء قليل جداً في تطوير مدينتي الحبيبة دبي، وكنتُ شاهداً على مرحلة جميلة من مراحل التنمية فيها، ولقد أكرمني والدي الشيخ محمد بكلمات ثناء في تويتر كانت أجمل تقدير وتكريم لي. وكل ما أقوم به من أعمال يصب أولاً في تطوير بلادي الإمارات، حالي في ذلك كحال كثير من أبنائها الذين يساهمون مع قيادة فذّة تعشق المستقبل، لنجعل وطننا أجمل أوطان العالم. وثانياً، في تنوير العقل العربي المسلم، لنصل إلى مرحلة لا نستحيي فيها من الدين كما نرى عند كثير من الناس اليوم، ولا نفقد إيماننا به. ولا نتطرف - من ناحية أخرى - في التمسك بكل ما أُلحِق به عبر القرون. التنوير لا يعني الإلحاد، فالله تعالى يصف نفسه بأنه "نور السماوات والأرض"، لهذا أعتقد بأن المؤمن مطالب بالبحث عن النور، والحكمة، في كل زوايا الفكر، دون أن يخشى التحديات والصدمات التي ستواجهه في طريق الحقيقة.

ماذا منحك العمل الحكومي؟ وما مميزات العمل الخاص؟

عملي الحكومي لم يكن تقليدياً. كنتُ أعمل في المكتب التنفيذي للشيخ محمد بن راشد. كنا نعمل مع الدوائر الحكومية بروح القطاع الخاص، وأظن بأنني لا أبالغ اليوم عندما أصف كثيراً من الدوائر الحكومية في دبي بأنها تعمل بحرفية أعلى بمراحل من شركات القطاع الخاص. تعلمتُ من وظيفتي الانضباط والتفكير خارج الصندوق. أما الآن فأنا أدير عملي بنفسي، هناك الكثير من التحديات، فالدخل ليس مضموناً كالوظيفة الحكومية، إلا أن العمل الخاص يدفعك للكفاح وللخروج عن المألوف لكي تستمر في النجاح.

يقال إن الكاتب الخليجي لم يصل بعد للعالم العربي على وجه العموم والمجتمع المصري على وجه الخصوص، ما السبب؟

أتفق مع هذا الرأي تماماً، ربما لأن الخليج صار مكتفياً بنفسه في السنوات الأخيرة. وأعني بذلك بأنه قديماً كان الكاتب يحتاج أن يكون موجوداً في الصحافة المصرية واللبنانية حتى يكون مُعتبَراً. أما اليوم فقد تغيرت موازين القوى والتأثير الإعلامي والمعرفي، فأبرز الفعاليات الثقافية موجودة في الخليج، وأبرز القنوات الإعلامية والصحف المؤثرة تظهر من الخليج، وأغلب مشاهير السوشيال ميديا العرب من الخليج. لهذا، فإن الكاتب الخليجي يكفيه أن يكون موجوداً في هذه المنصات حتى يشعر بمكانته الأدبية. هذه نظرة للواقع وليست رأياً، لكنني أؤمن أيضاً بأن وجود الكاتب الخليجي في مصر على سبيل المثال مهم جداً. رغم أن المشهد الثقافي في مصر صعب الاختراق، إلا أنه ليس مستحيلاً. فالمجتمع المصري كبير ومتنوع، وفيه من دُرر الآداب والمعارف ما لا يمكن إحصاؤه، وفيه أيضاً شد وجذب كثير، تختلط فيه الثقافة كثيراً بالسياسة. لذلك، على من يريد أن يكون له حضور في ذلك المشهد أن يكون مستعداً لمعارك كثيرة، لكنها ممتعة. فلقد كتبتُ مدة في إحدى الصحف المصرية، وأغلب متابعيَّ في فيسبوك من مصر، فإن أحبوك أحبوك بعنف، وإن كرهوك كرهوك بعنف، لكنني أحبهم في كلتا الحالتين، ومستمتع بالتفاعل مع الساحة الثقافية المصرية.

ختاماً، ماذا تعلمت؟ وما طموحاتك المستقبلية؟

تعلمتُ أن إحدى أهم القيم في معادلة النجاح هي الانضباط والأمل. فعندما أقوم بشيء ما أسخّر كل وقتي وجهدي من أجل تحقيقه. أما الأمل فهو فقط ما يجعلني أستمر في المسير رغم الوحدة التي تنتابني أحياناً، ورغم الشكوك التي تنهال علي كلما قدمتُ عملاً جديداً ولا أرى أثراً فأقول في نفسي “لا فائدة، المجتمعات لن تتغير. توقف واهتم بنفسك". إلا أنني أسمع صوت الأمل على لسان صديق، أو في رسالة بالبريد الإلكتروني تقول "شكراً لأنك غيرت حياتي". هذا ما يجعلني أستمر. طموحاتي أن تكون مؤسستي "جينوميديا للإنتاج الفني"، أفضل مؤسسة عربية لإنتاج الوثائقيات في السنوات الخمس القادمة. وأن أبدأ في إنتاج دراما عربية بحس ذوقي رفيع، يعيد للأذهان ليالي الحلمية وحسن أرابيسك وأبي وأمي مع التحية. وأخيراً، أن أبدأ في كتابة روايتي الجديدة التي ركنتُها حالياً لتركيزي على برنامج لحظة، وعلى إنتاج البرامج الوثائقية الأخرى.