الأربعاء 06، أغسطس 2025
30º
منذ 9 سنوات

لسنا أمام خيار: أو ديمقراطية نستلمها بأدب، أو عنصرية ‘نصنعها بشغب‘

لسنا أمام خيار: أو ديمقراطية نستلمها بأدب، أو عنصرية ‘نصنعها بشغب‘
حجم الخط
شبكة وتر-" بقلم حنين زعبي " قد يكون من إنجازات المشتركة أنها وفرت إطارا يسهل علينا نقاش اختلافاتنا السياسية، وأنها غيرت، ربما ليس بما فيه الكفاية، من توجهنا لتلك الاختلافات،عبر إعطائها  شرعية، يخرجها من دائرة المنكافات أو المزاودات أو التشكيك.  بوادر هذا التوجه "الجديد"، لم يعمم خارج أعضاء المشتركة، كون النقاش بقي حبيس ملاحظات وتعليقات عابرة، ولم يأخذ حقه كنقاش فعلي. ومن هذا المنطلق، من منطلق الفرصة التي تحملها المشتركة، نستطيع أن نقول، أننا لم نستغل إطار النقاش الموضوعي هذا لنعمق إجماعنا السياسي، مهمة أراها ليست فقط ضرورية، بل ممكنة جدا. دون ذلك سينظر لكل اختلاف ولكل نقد على أنه "ضربة" أو "محاولة تصفية". القصور هنا، ليس قصورا قيميا فقط، أي لا يدل على نفعية أو تصيد فقط، إنما يدل في الأساس على خلل ثقافي، على ثقافة لا تسع الاختلاف، ولا تحسن التعامل معه، ولا تضعه في إطاره الموضوعي الصائب.   من هذه الاختلافات – الإدعاءات التي علينا نقاشها،  إدعاء يربط بين أن علينا عدم "استفزاز إسرائيل"، وأن هذا "الاستفزاز" يجر غضبا وانتقاما إسرائيليا، "يثقل الناس"، وأن الجمهور " لا يستطيع أن يتحمل"، وأن القيادة موجودة لكي تمثل مصلحة الجمهور، لكن ليس لكي "ترهقهم في الدفاع عنها".   لكن طبيعة النضال أن يكون نضال الناس، نضال الشعب، وليس نضال القيادة فقط، القيادة موجودة أصلا، لكي تستحث شعبها على النضال والتحدي والرفض والمطالبة، بما في ذلك الدفاع عن قيادتهم إذا ما يحتاج الأمر، ولا بد أنه سيحتاج. من يرسل قيادته لتمثيله، وتمثيل معاناته وقضيته بكافة أبعادها المدنية والقومية،  يرسلها وهو يعرف أنها معرضة بذلك للتحريض والملاحقة، وأن التحريض عليها هو تحصيل حاصل لا يمكن تجنبه لعنصرية كامنة وتقوى دون علاقة بالضحية، وأن شعبنا معرض للتحريض والملاحقة، فهما على جانب واحد من المتراس، لا اختلاف بينهما في استهدافهما من قبل القامع، ولا فرق بينهما في النضال، مطلوب من القيادة أن تقود النضال، لكن ليس أن تستفرد فيه، ولا أن تريح شعبها من عبئه.   وضمن تلك المعادلة الشعب لا يقف على الجانب الآخر، بل هو أيضا موجود في خضم المعترك، هو يضع ثقته في قيادة تقود هذا المعترك ولا تقلصه أو تختصره. والمطلوب من قيادة تريد أن تساهم في صناعة الواقع وليس فقط في قراءته، وتلمس حدوده، هو أن ترفع سقف توقعات شعبها من الحياة، ومن نفسه، أن تقوي قناعاته بجدوى النضال وقدرته عليه.   وكثيرا، ما تعجز القيادة عن قراءة قوة الناس، وكثيرا ما تقلل من تقدير استعدادهم للتضحية والعطاء والتحدي.   فعندما  يشير  استطلاع  أن 65% من شعبنا أيدوا جلوس نواب التجمع من القائمة المشتركة، مع عائلات الشهداء في القدس بهدف تحرير جثامين شهدائهم التي تحتجزها إسرائيل منذ أشهر طويلة، فإن ذلك لا يعني أن  65%  فقط، تراه في قرارة نفسها فعلا سياسيا ووطنيا صائبا، بل معنى ذلك إن 65% بقيت تراه كذلك حتى بعد حملة تحريض إسرائيلي متواصلة، مما يعني أن النتيجة الحقيقية تفوق ذلك بكثير.   يشير هذا المعطى إلى أغلبية صلبة، كبيرة جدا، ومثيرة للأعجاب، لم تتراجع حتى بعد حملات تحريض دموية وهمجية شملت اليمين واليسار الصهيوني، وبعد تذويت يليه ترويج عربي لهذا التحريض من جهة أخرى.   وأيضا فيما يتعلق ببيان إدانة قرار دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار حزب الله حركة إرهابية، فإن مصدر معارضته، لا تكمن في عدم الرضى الإسرائيلي عنه، بل تكمن في قناعات داخلية، جزء منها يتعلق برفض إعطاء دعم غير مشروط لمن يشارك في قتال الشعب السوري، ويدعم نظاما يقتل شعبه يوميا، ويحطم تاريخ سوريا ومعمارها ويهجر شعبها.   هذه المعطيات تدل أن  مواقف "الناس" تستطيع أن تتحرر من التهديد والوعيد والتحريض الإسرائيلي. هذا لا يلغي تأثير التحريض ومفاعيله على مواقف الناس وحريتها الفكرية، لكن دور القيادة يكمن  في صد التحريض وفي حماية  شعبها منه، ليس بواسطة تغيير مواقفها لتجنب التحريض، بل بواسطة محاربة التحريض وسحب شرعيته، واستنفار شعبها ضده. لا تستطيع أي قيادة وطنية تخيير الناس بين نضال دون دفع ثمن، ونضال مع دفع الثمن، لأنه ببساطة لا نضال حقيقي دون دفع ثمن. لا صدق في هذه الحياة دون دفع ثمن، لا نزاهة ، ولا استقامة دون دفع ثمن، فقط الانتهازي هو من يحاول وينجح في الكسب المتواصل، عبر نفاق متواصل. ودفع الثمن حتمي، لأنه لا نضال مجدي، يستطيع أن يكون خفيفا ولطيفا وبردا وسلاما على المحتل أو على القامع،  لا نضال "بالاتفاق"، لا تغيير في واقعنا بالاتفاق مع القامع، وليس هنالك من طريقة للنضال الحقيقي لا تثير غضب وحنق المحتل ومحاولة "انتقامه". "عدم إغضاب إسرائيل"، أو عدم "إخراجها عن طوعها"، هو ليس خيارا قائما لقوى سياسية تريد تغيير واقع شعبها، ولوم الفلسطيني عندما تغضب إسرائيل وتهدد وتتوعد، هو قراءة عبثية وظالمة للضحية. لأنها تبنى على فرضية إمكانية "انسجام نضالنا" مع السياسات الإسرائيلية، أو وكأن العنصرية، بقوانينها ومخططاتها  تحتاج لأجواء هادئة تنمو فيها دون ضجيج، وتحتاج أن تمر  بسلاسة، أو كأن الخيار هو بين ديمقراطية  نتسلمها  بأدب، أو عنصرية "نصنعها بشغب"، وليس أن خيارنا هو بين عنصرية  نتحداها فعلا، أو عنصرية نسجل "بلياقة" عدم موافقتنا عليها.