الجمعة 22، أغسطس 2025
22º
منذ 8 سنوات

قطر .. مرحلة الفرز الحاسم

قطر .. مرحلة الفرز الحاسم
حجم الخط

بقلم: نبيل عمرو

كلما زادت حدة الصراع في المنطقة وعليها، تزداد حدة الفرز الحاسم في المواقف والسياسات.

الدرس القطري مؤشر قوي وطازج على ذلك، فلقد تساهل معسكر الاعتدال كثيرا مع السياسة القطرية، وتغاضى على مضض عن تطوير علاقاتها مع ايران التي تتكرس كل يوم كعدو رئيسي وربما وحيد لدول الخليج وحلفائها من اقطاب واعمدة دول الاعتدال.

ولم تكن القيادة القطرية لتتصور حدوث ما يحدث الان، فلقد تعودت على اللعب في مساحة مريحة بين الدول الخليجية وايران، هي تبرر سياساتها بادعاء تخفيف حدة التوتر بين الشقيقة السعودية الكبرى والشقيقة الايرانية، فكانت السعودية غير مرتاحة وغير مقتنعة بهذا التفسير، اما ايران فكانت سعيدة بعلاقتها مع قطر، كونها تشكل اختراقا داخل المنظومة الخليجية، وثغرة مهمة توفر للأجندات الايرانية المضمرة والمعلنة مزايا نادرة لاتقدر بثمن.

السعودية من جانبها لاذت بسياسة الاحتواء والاقناع، لعلها تكبح الجموح القطري خصوصا تجاه ايران، وقوى الإسلام السياسي المتعددة والمتوالدة على الدوام.

الا انها وجدت نفسها امام وضع لو استمر وتفاقم، فستخسر الكثير من مصداقيتها ورصيدها في احرج الفترات التي تمر بها المملكة واكثرها حساسية، اي فترة ما بعد مؤتمر الرياض، والوئام الجديد مع إدارة ترامب.

لقد بالغت قطر في تقدير قدراتها وتخيل ضمانات فاعلية سياساتها، وها هي تسدد الفاتورة الباهظة دفعة واحدة، ولا تعرف الى اين سيصل التسونامي الخليجي الذي يجتاحها معززا بظهير عربي واسلامي ودولي.

فمن اين لقطر ان تتحمل نتائج استفزاز السعودية، ومعاداة مصر، والدولتان الكبيرتان غارقتان في تحديات مصيرية، وليس من همٍ لقطر وسياستها واعلامها سوى التشكيك بزعامة السعودية الخليجية والاسلامية، ومحاربة مصر بصورة مباشرة وغير مباشرة من موقع التحالف مع الخصم الرئيس للنظام المصري "الاخوان".

كان يمكن لهذا العبث ان يحتوى، لو لم تدخل أمريكا ترامب الى المعادلة بصورة مختلفة عن اوباما، اما وقد تطور الفرز وضاقت المساحات، فكان حريا بقطر ان تحسب الأمور بارقامها الصحيحة وليس الافتراضية، وان تهدأ، فهي اساسا غير مضطرة للتغزل في ايران اثناء العرس السعودي المصري.

اتوقع ان يشتد الحصار الشقيق والحليف على قطر، ويبدو ان هذا الحصار يشكل مقدمة لعلاج جراحي، اما ان اعداده يجري الان، ام انه جرى قبل خروج الازمة الى العلن، وتم التكتم عليه الى حين نضوج الوقت والظرف الملائمين.

بعد الحصار الذي يضيق كل ساعة، ستجد قطر نفسها امام استحقاق مصيري، فاما ان يتغير الامير وينتقل من النقيض الى النقيض، ويعلن التوبة عن خطواته الجامحة تجاه ايران، ويعلن كذلك تقيده بقواعد اللعب التي تضعها السعودية ومعها دول الاعتدال العربي جميعا، واما ان يتم تغييره هو، والبدائل لابد وان تكون متوفرة ما دام التغيير المحتمل سيتم من داخل البيت الاميري.

قطر بكل اسف دخلت وادخلت المنطقة الاكثر استقرارا نسبيا في العالم العربي الى دوامة كانت في غنى عنها، وفي وقت لا رصيد حقيقي فيه لاي دولة الا قدرتها على الاستقرار والاستمرار.